الجمعة
قضيت اليوم كله أحاول وضع أسئلة الامتحانات فى اللغة العربية و انتهت محاولاتى بتمزيق كل الأسئلة و ذلك بعد أن اكتشفت أن الأسئلة سهلة و مفهومة و يمكن للطلبة الإجابة عليها
السبت :
اتصل بى صديقى الأستاذ الدندراوى . قال لى أنه لا يجد أسئلة صعبة فى مادة التاريخ .. بعد مناقشة , اتفقنا على الاجتماع فى بيت صديقنا الأستاذ أبو عقدة إذ أننا نحن الثلاثة - نؤمن بمذهب امتحانى واحد لا تؤمن به الأغلبية العظمى من الأساتذة واضعى الامتحانات . مذهبنا أن يكون الامتحان تعجيزيا , أن تكون الأسئلة ألغازا , و إلا فكيف يمكن أن نكشف عن قدرات الطالب الخارقة و معجزاته ؟ إن الأسئلة الواضحة السهلة ذات الإجابات الموجودة فى الكتب تدل على جهل الممتحن و تفاهته , و قلة معلوماته العلمية . ثم ما فائدة الامتحانات بالذمة و لماذا ننفق من أجلها كل هذه الفلوس إذا لم يكن الهدف منها هو تطهير العلم من الطلبة الحمير الذين لا يستطيعون الإجابة على أسئلتنا الرفيعة ؟
الأحد :
اجتمعنا فى بيت الأستاذ أبو عقدة
استقر الرأى فى بداية الاجتماع على أن يعرض كل منا الأسئلة التى وضعها فى مادته حتى نتبادل الآراء لنتلافى سهولة أى سؤال .
بدأت بعرض أسئلتى . أمسكت الورقة و قرأت الامتحان الذى وضعته للغة العربية :
أولا - الانشاء :
- اكتب فى أحد الموضوعين الآتيين :
1. العندريس و أثره فى الحضارة الإنسانية .
2. تجعلق الخرطاف يوما فتشوشن فى أكمة حتى سالت دماؤه . اكتب موضوعا على لسانه الذرب .
عند هذا الحد من قراءتى للأسئلة , مط الأستاذ أبو عقدة شفتيه قى استياء قائلا :
- العندريس دى مفهومة قوى ..
و علق الدندراوى فى قرف :
- و موضوع الإنشاء الثانى فيه عبارة واضحة جدا و هى "حتى سالت دماؤه" .. كل طالب سيفهم معناها .
استمرت المناقشة بيننا , و انتهت بأن انتحيت جانبا لأعيد صياغة السؤال , ثم عدت أقرأ لهما تعديل الأسئلة بعد تصعيبها الشديد :
- اكتب فى أحد الموضوعين الآتيين :
1. الأقلائظ و أثره فى الحضارة الإنسانية .
فقاطعنى الأستاذ أبو عقدة :
- الأقلائظ دى متهيألى تتفهم قوى , و عبارة "و أثره فى الحضارة الإنسانية" معناها واضح جدا .
و أيد الدندراوى رأى أبو عقدة فانتحيت جانبا لزيادة تصعيب السؤال و عدت أقرأ لهما :
- اكتب فى أحد الموضوعين الآتيين :
1. الأقلائظ و رموحه المشمول فى حضارة الإنسان
صاح أبو عقدة : كده عال .
فواصلت القراءة :
2. تجعلق الخرطاف يوما فشوشن فى جردابة حتى تبعرط بعرطة شديدة , اكتب موضوعا على لسانه الذرب .
و هنا سأل أبو عقدة الأستاذ الدندراوى : فاهم حاجة من الكلام ده ؟
قال الدندراوى : أبدا ..
و هنا أعلن أبو عقدة رضاءه عن أسئلة الإنشاء , فواصلت قراءة الأسئلة بين استحسان أبو عقدة و الدندراوى حتى وصلت إلى السؤال الذى أقول فيه :
- اشرح معنى هذين البيتين و اعربهما :
و منجار يكلكل بالبردع الخافقات
يهفتع بالكئيم كركود الكلات
كان القوك فوقه و هنان الشرى
يهنجر فى الدجى مرنون الفتات
عندئذ صمم الأستاذ أبو عقدة على أن هذين البيتين فى منتهى الوضوح والسهولة لدرجة أنه فهمهما ببساطة , فطلبت منه شرح المعنى فقال كلاما كثيرا سألنى بعده :
- موش ده المعنى المقصود ؟
فأقسمت له أننى لا أعرف أى معنى لهذين البيتين لأننى نقلتهما من قصيدة لشاعر جاهلى اسمه (الضيرنس) .
و هنا اقترح الدندراوى أن أطلب من الطالب فى السؤال كتابة باقى القصيدة , فلما قلت له أنها غير مقررة عليهم فى النصوص و لم يسمعوا أبدا باسم الشاعر الجاهلى (الضيرنس) , صاح أبو عقدة :
- هو ده يبقى التعجيز اللى على أصله يا أستاذ .. اكتب السؤال زى ما قال الدندراوى .
عدلت السؤال طالبا من الطالب إكمال القصيدة .
بعد ذلك , بدأ الدندراوى يعرض علينا الأسئلة التى وضعها لمادة التاريخ , قال أنه توخى أن تكون أسئلته أسئلة ذكاء صعبة لا أسئلة أولاد صمامين حمير , ثم قرأ من ورقة فى يده :
- أجب عن كل من أ و ب فى السؤال التالى :
أ - اشرح معنى كلمة (نابليون) فيما لا يقل عن خمسين سطرا .
صاح أبو عقدة ( خيلهم 120 سطرا ) .. ثم هز رأسه متشككا فى صعوبة السؤال , معلنا أنه من المحتمل جدا أن يجيب عليه عدد كبير من الطلبة .
و انتهت المناقشة بتعديل الفقرة ( أ ) من السؤال كالتالى :
( أ ) اشرح معنى كلمة نابليون فيما لا يقل عن 200 سطر , بحيث يكون عدد كلمات السطر الواحد 11 كلمة و نصف كلمة .
ثم بدأ الدندراوى يقرأ الفقرة ( ب ) :
( ب ) "الازدواج التاريخى فى سياسة بسمارك يؤدى إلى الاتساع التاريخى مع بعض التباعد فى الأبعاد المتقاربة أو المتوازية أو المتقاطعة أو ذات الزوايا الحادة" .
اشرح معنى هذه العبارة شرحا وافيا .
قال الأستاذ أبو عقدة : أنا عندى فكرة أحسن للسؤال ده .
ثم أمسك بالقلم و الورق لفترة , قرأ علينا بعدها هذا التعديل :
( ب ) إذا افترضنا أن سياسة بسمارك هى عبارة عن المثلث متساوى الأضلاع أ , ب , جـ بداخله دائرة محيطها 25 سنتيمترا تمثل الازدواج التاريخى , مد بداخلها الوتر د , هـ الذى يمثل الاتساع التاريخى ثم الوتر ن , و الذى يمثل الامبراطور غليوم , فأثبت أن التباعد التاريخى فى سياسة بسمارك يساوى : الزاوية ب جـ أ + 2/1 ط نق تربيع - مربع مساحة الدائرة × ن و + د هـ .
(ملحوظة) محظور على الطالب استعمال البرجل أو المنقلة أو المسطرة أو القلم الرصاص أو رسم أى رسم فى هامش ورقة الإجابة أو على النشافة و إلا يعد الامتحان لاغيا .
عندما انتهى الأستاذ أبو عقدة من قراءة السؤال قام الأستاذ الدندراوى و احتضنه بشدة , ثم باسه على الخدين , كما قمت أنا و هنأته بحرارة على وضع هذا السؤال الرائع .
و بعد ذلك استأذن الأستاذ الكبير أبو عقدة فى تأجيل الاجتماع إلى يوم آخر للنظر فى بقية الأسئلة . إذ أنه مشغول بترتيب و إعداد الأسئلة فى الامتحان الشفوى بالمعهد الذى يدرس فيه . ثم دعانى مع الأستاذ الدندراوى لحضور لجنة الشفوى غدا بالمعهد حتى نأخذ فكرة عن أصول الأسئلة الامتحانية .
الثلاثاء :
ذهبت مع الدندراوى إلى المعهد .
قبل أن نذهب إلى القاعة التى يعقد فيها الامتحان حدث شئ مؤسف , إذ سمعنا فى الممر أستاذا بالمعهد لا نعرفه يتحدث إلى أستاذ آخر حديثا سخيفا عن الأستاذ أبو عقدة , فقال عنه أنه رجل مصاب بالسادية و حب القسوة الشديد على الآخرين , و أن هوايته فى أوقات الفراغ هى أن يضرب أولاده ضربا أليما , فإذا لم يجدهم فى البيت أمسك بذيل القطة ليدير بها ذراعه فى الهواء , فإذا لم يجد القطة وقف فى النافذة يضرب الناس بالنبلة . و قال الأستاذ الذى لا نعرفه أن الأستاذ أبو عقدة حلف يمينا بالله العظيم أن يطهر العالم من طلابه الحمير .
مشينا فى القاعة دون أن نناقش هذا الأستاذ الجاهل فيما قاله احتقارا منا لشأنه , و فى قاعة الامتحان الشفوى استقبلنا الأستاذ أبو عقدة , و أجلسنا فى جانب من القاعة .. ثم عاد ليرأس لجنة الشفوى و هو يقول للساعى :
- نادى لى الطالب أحمد الغلبان .
و ما أن ردد الساعى اسم الطالب على الباب حتى هب الأستاذ أبو عقدة تاركا مكانه , متجها نحو الباب , و فوجئنا به يسأل الطالب الذى اجتاز الباب :
- انت أحمد الغلبان ؟
و أمام هذا الرجل ذى الهيبة العظيمة وقفت الكلمات فى حلق الولد و هو يرتجف , و اكتفى بهز رأسه , و هنا ضربه الأستاذ أبو عقدة قلما شديدا على وجهه , ثم عاجله بصفعة شمال أقوى من الأخرى , ثم راح يضربه بالشلاليت , و وقع الولد على الأرض فراح يركله :
- قوم يا جاهل يابن الجاهل ..
فنهض الولد مرتجفا و هو يدفن رأسه بين ذراعيه بينما الأستاذ أبو عقدة يصرخ :
- أنت أحمد أحمد الغلبان ؟
قال الولد بصعوبة : نعم .
و هنا لكمه الأستاذ لكمة شديدة و هو يصيح :
- أنت متأكد إن إجابك دى صح ؟
- نعم ..
و عندئذ ثار الأستاذ أبو عقدة و هو يقول :
- اسفوخس على شكلك يا جاهل .. إزاى يا حيوان تعرف إجابة سؤال باسأله لك ؟؟ انت أحمد أحمد الغلبان ؟
فأجاب الولد بنعم و هو يقسم بالله العظيم , و اشتدت ثورة الأستاذ أبو عقدة :
- و كمان بتحلف يا جاهل ..
ثم ضربه شلوتا قويا و هو يصرخ : بره .. بره .. صفر .. ساقط .. بره .. اخرج بره ..
و أسرع الولد يجرى خارجا , بينما الأستاذ أبو عقدة يضرب كفا بكف و و يتعجب كيف يجاوب الولد بسهولة على سؤال للأستاذ أبو عقدة .. هل هان مستوى أسئلته إلى هذا الحد ؟
و شخط الأستاذ أبو عقدة فى الساعى :
- نادى لى على الطالب أحمد أحمد المرحوم .
و عندما دخل الولد تكرر نفس المشهد , إذ استقبله الأستاذ بالسؤال الأول :
- انت أحمد أحمد المرحوم ؟
و ما أن أجاب بنعم حتى حدث له ما حدث لأحمد أحمد الغلبان , و انتهى الأمر بطرده و إعطائه صفرا بينما الأستاذ أبو عقدة يصيح :
- و الله مسخرة . عشت و شفت طلبة حمير يجاوبوا على سؤال لى بنعم .. أنا ماحدش يعرف يجاوب على أسئلتى .. أنا أسئلتى لها مستوى .. أسئلة ذكاء لا يمكن حد يجاوب عليها ..
نادى لى ع اللى بعده أحمد أحمد الناصح .. و الله عال .. وادى واحد عاملى ناصح .
دخل الولد فاستقبله الأستاذ أبو عقدة من الباب :
- انت أحمد أحمد الناصح ؟
قال الولد : ده سؤال صعب يافندم .. و الله موش عارف ..
و هنا انفرجت أسارير الأستاذ أبو عقدة و نظر إلينا و إلى زميليه فى اللجنة و هو يقول :
- موش باقول لكم إن أسئلتى لا يمكن أن تكون سهلة أبدا ؟
ثم ضرب الولد على قفاه بشدة قائلا :
- تعالى امتحن يا جاهل .. تعالى جاتكو القرف .
جلس الولد أمام اللجنة فسأله الأستاذ أبو عقدة :
- قوللى يا أبو جهل .. أنت اسمك إيه ؟
- ده سؤال عويص يافندم .. ادينى فرصة لسؤال تانى .
و ضحك الأستاذ أبو عقدة فى فخر لأن الولد عجز عن الرد و عاد يسأله :
- انت طالب هنا فى المعهد ؟
- ممكن أفكر فى السؤال شوية يافندم ؟
- فكر يا جاهل ..
- فكرت يافندم خلاص ..
- انت طالب هنا فى المعهد ؟
- موش عارف الإجابة .. ممكن فرصة كمان ؟
- قوم يا جاهل .. صفر .
كان شيئا ممتعا أن نشهد أنا و الدندراوى رسوب مائة و خمسين طالبا بلغ مجموع درجاتهم مائة و خمسين صفرا .
الجمعة :
فى البيت مع الأستاذ الكبير أبو عقدة لمراجعة بقية أسئلة التاريخ التى وضعها الدندراوى . رفض الأستاذ أبو عقدة سؤالا يقول :
- اكتب بالتفصيل تاريخ العالم منذ خلق آدم و حواء حتى قيام حرب فيتنام .
قال الأستاذ أبو عقدة أنه سؤال سهل ممكن الإجابة عليه ..
و كتب بدلا منه سؤالا يقول :
- أجب عن السؤال التالى :
كان المفروض أن يكون هنا سؤال فى التاريخ , و لكن الممتحن عدل عن كتابته فى ورقة الأسئلة , فاذكر ما هو هذا السؤال و أجب عليه بالتفصيل .
احتضن الدندراوى الأستاذ أبو عقدة بشدة على هذا السؤال الرائع .
الجمعة :
الحمد لله .. لم ينجح أحد لا فى اللغة العربية و لا فى التاريخ .
أقمنا حفلة بهذه المناسبة عند الأستاذ الدندراوى .
قضيت اليوم كله أحاول وضع أسئلة الامتحانات فى اللغة العربية و انتهت محاولاتى بتمزيق كل الأسئلة و ذلك بعد أن اكتشفت أن الأسئلة سهلة و مفهومة و يمكن للطلبة الإجابة عليها
السبت :
اتصل بى صديقى الأستاذ الدندراوى . قال لى أنه لا يجد أسئلة صعبة فى مادة التاريخ .. بعد مناقشة , اتفقنا على الاجتماع فى بيت صديقنا الأستاذ أبو عقدة إذ أننا نحن الثلاثة - نؤمن بمذهب امتحانى واحد لا تؤمن به الأغلبية العظمى من الأساتذة واضعى الامتحانات . مذهبنا أن يكون الامتحان تعجيزيا , أن تكون الأسئلة ألغازا , و إلا فكيف يمكن أن نكشف عن قدرات الطالب الخارقة و معجزاته ؟ إن الأسئلة الواضحة السهلة ذات الإجابات الموجودة فى الكتب تدل على جهل الممتحن و تفاهته , و قلة معلوماته العلمية . ثم ما فائدة الامتحانات بالذمة و لماذا ننفق من أجلها كل هذه الفلوس إذا لم يكن الهدف منها هو تطهير العلم من الطلبة الحمير الذين لا يستطيعون الإجابة على أسئلتنا الرفيعة ؟
الأحد :
اجتمعنا فى بيت الأستاذ أبو عقدة
استقر الرأى فى بداية الاجتماع على أن يعرض كل منا الأسئلة التى وضعها فى مادته حتى نتبادل الآراء لنتلافى سهولة أى سؤال .
بدأت بعرض أسئلتى . أمسكت الورقة و قرأت الامتحان الذى وضعته للغة العربية :
أولا - الانشاء :
- اكتب فى أحد الموضوعين الآتيين :
1. العندريس و أثره فى الحضارة الإنسانية .
2. تجعلق الخرطاف يوما فتشوشن فى أكمة حتى سالت دماؤه . اكتب موضوعا على لسانه الذرب .
عند هذا الحد من قراءتى للأسئلة , مط الأستاذ أبو عقدة شفتيه قى استياء قائلا :
- العندريس دى مفهومة قوى ..
و علق الدندراوى فى قرف :
- و موضوع الإنشاء الثانى فيه عبارة واضحة جدا و هى "حتى سالت دماؤه" .. كل طالب سيفهم معناها .
استمرت المناقشة بيننا , و انتهت بأن انتحيت جانبا لأعيد صياغة السؤال , ثم عدت أقرأ لهما تعديل الأسئلة بعد تصعيبها الشديد :
- اكتب فى أحد الموضوعين الآتيين :
1. الأقلائظ و أثره فى الحضارة الإنسانية .
فقاطعنى الأستاذ أبو عقدة :
- الأقلائظ دى متهيألى تتفهم قوى , و عبارة "و أثره فى الحضارة الإنسانية" معناها واضح جدا .
و أيد الدندراوى رأى أبو عقدة فانتحيت جانبا لزيادة تصعيب السؤال و عدت أقرأ لهما :
- اكتب فى أحد الموضوعين الآتيين :
1. الأقلائظ و رموحه المشمول فى حضارة الإنسان
صاح أبو عقدة : كده عال .
فواصلت القراءة :
2. تجعلق الخرطاف يوما فشوشن فى جردابة حتى تبعرط بعرطة شديدة , اكتب موضوعا على لسانه الذرب .
و هنا سأل أبو عقدة الأستاذ الدندراوى : فاهم حاجة من الكلام ده ؟
قال الدندراوى : أبدا ..
و هنا أعلن أبو عقدة رضاءه عن أسئلة الإنشاء , فواصلت قراءة الأسئلة بين استحسان أبو عقدة و الدندراوى حتى وصلت إلى السؤال الذى أقول فيه :
- اشرح معنى هذين البيتين و اعربهما :
و منجار يكلكل بالبردع الخافقات
يهفتع بالكئيم كركود الكلات
كان القوك فوقه و هنان الشرى
يهنجر فى الدجى مرنون الفتات
عندئذ صمم الأستاذ أبو عقدة على أن هذين البيتين فى منتهى الوضوح والسهولة لدرجة أنه فهمهما ببساطة , فطلبت منه شرح المعنى فقال كلاما كثيرا سألنى بعده :
- موش ده المعنى المقصود ؟
فأقسمت له أننى لا أعرف أى معنى لهذين البيتين لأننى نقلتهما من قصيدة لشاعر جاهلى اسمه (الضيرنس) .
و هنا اقترح الدندراوى أن أطلب من الطالب فى السؤال كتابة باقى القصيدة , فلما قلت له أنها غير مقررة عليهم فى النصوص و لم يسمعوا أبدا باسم الشاعر الجاهلى (الضيرنس) , صاح أبو عقدة :
- هو ده يبقى التعجيز اللى على أصله يا أستاذ .. اكتب السؤال زى ما قال الدندراوى .
عدلت السؤال طالبا من الطالب إكمال القصيدة .
بعد ذلك , بدأ الدندراوى يعرض علينا الأسئلة التى وضعها لمادة التاريخ , قال أنه توخى أن تكون أسئلته أسئلة ذكاء صعبة لا أسئلة أولاد صمامين حمير , ثم قرأ من ورقة فى يده :
- أجب عن كل من أ و ب فى السؤال التالى :
أ - اشرح معنى كلمة (نابليون) فيما لا يقل عن خمسين سطرا .
صاح أبو عقدة ( خيلهم 120 سطرا ) .. ثم هز رأسه متشككا فى صعوبة السؤال , معلنا أنه من المحتمل جدا أن يجيب عليه عدد كبير من الطلبة .
و انتهت المناقشة بتعديل الفقرة ( أ ) من السؤال كالتالى :
( أ ) اشرح معنى كلمة نابليون فيما لا يقل عن 200 سطر , بحيث يكون عدد كلمات السطر الواحد 11 كلمة و نصف كلمة .
ثم بدأ الدندراوى يقرأ الفقرة ( ب ) :
( ب ) "الازدواج التاريخى فى سياسة بسمارك يؤدى إلى الاتساع التاريخى مع بعض التباعد فى الأبعاد المتقاربة أو المتوازية أو المتقاطعة أو ذات الزوايا الحادة" .
اشرح معنى هذه العبارة شرحا وافيا .
قال الأستاذ أبو عقدة : أنا عندى فكرة أحسن للسؤال ده .
ثم أمسك بالقلم و الورق لفترة , قرأ علينا بعدها هذا التعديل :
( ب ) إذا افترضنا أن سياسة بسمارك هى عبارة عن المثلث متساوى الأضلاع أ , ب , جـ بداخله دائرة محيطها 25 سنتيمترا تمثل الازدواج التاريخى , مد بداخلها الوتر د , هـ الذى يمثل الاتساع التاريخى ثم الوتر ن , و الذى يمثل الامبراطور غليوم , فأثبت أن التباعد التاريخى فى سياسة بسمارك يساوى : الزاوية ب جـ أ + 2/1 ط نق تربيع - مربع مساحة الدائرة × ن و + د هـ .
(ملحوظة) محظور على الطالب استعمال البرجل أو المنقلة أو المسطرة أو القلم الرصاص أو رسم أى رسم فى هامش ورقة الإجابة أو على النشافة و إلا يعد الامتحان لاغيا .
عندما انتهى الأستاذ أبو عقدة من قراءة السؤال قام الأستاذ الدندراوى و احتضنه بشدة , ثم باسه على الخدين , كما قمت أنا و هنأته بحرارة على وضع هذا السؤال الرائع .
و بعد ذلك استأذن الأستاذ الكبير أبو عقدة فى تأجيل الاجتماع إلى يوم آخر للنظر فى بقية الأسئلة . إذ أنه مشغول بترتيب و إعداد الأسئلة فى الامتحان الشفوى بالمعهد الذى يدرس فيه . ثم دعانى مع الأستاذ الدندراوى لحضور لجنة الشفوى غدا بالمعهد حتى نأخذ فكرة عن أصول الأسئلة الامتحانية .
الثلاثاء :
ذهبت مع الدندراوى إلى المعهد .
قبل أن نذهب إلى القاعة التى يعقد فيها الامتحان حدث شئ مؤسف , إذ سمعنا فى الممر أستاذا بالمعهد لا نعرفه يتحدث إلى أستاذ آخر حديثا سخيفا عن الأستاذ أبو عقدة , فقال عنه أنه رجل مصاب بالسادية و حب القسوة الشديد على الآخرين , و أن هوايته فى أوقات الفراغ هى أن يضرب أولاده ضربا أليما , فإذا لم يجدهم فى البيت أمسك بذيل القطة ليدير بها ذراعه فى الهواء , فإذا لم يجد القطة وقف فى النافذة يضرب الناس بالنبلة . و قال الأستاذ الذى لا نعرفه أن الأستاذ أبو عقدة حلف يمينا بالله العظيم أن يطهر العالم من طلابه الحمير .
مشينا فى القاعة دون أن نناقش هذا الأستاذ الجاهل فيما قاله احتقارا منا لشأنه , و فى قاعة الامتحان الشفوى استقبلنا الأستاذ أبو عقدة , و أجلسنا فى جانب من القاعة .. ثم عاد ليرأس لجنة الشفوى و هو يقول للساعى :
- نادى لى الطالب أحمد الغلبان .
و ما أن ردد الساعى اسم الطالب على الباب حتى هب الأستاذ أبو عقدة تاركا مكانه , متجها نحو الباب , و فوجئنا به يسأل الطالب الذى اجتاز الباب :
- انت أحمد الغلبان ؟
و أمام هذا الرجل ذى الهيبة العظيمة وقفت الكلمات فى حلق الولد و هو يرتجف , و اكتفى بهز رأسه , و هنا ضربه الأستاذ أبو عقدة قلما شديدا على وجهه , ثم عاجله بصفعة شمال أقوى من الأخرى , ثم راح يضربه بالشلاليت , و وقع الولد على الأرض فراح يركله :
- قوم يا جاهل يابن الجاهل ..
فنهض الولد مرتجفا و هو يدفن رأسه بين ذراعيه بينما الأستاذ أبو عقدة يصرخ :
- أنت أحمد أحمد الغلبان ؟
قال الولد بصعوبة : نعم .
و هنا لكمه الأستاذ لكمة شديدة و هو يصيح :
- أنت متأكد إن إجابك دى صح ؟
- نعم ..
و عندئذ ثار الأستاذ أبو عقدة و هو يقول :
- اسفوخس على شكلك يا جاهل .. إزاى يا حيوان تعرف إجابة سؤال باسأله لك ؟؟ انت أحمد أحمد الغلبان ؟
فأجاب الولد بنعم و هو يقسم بالله العظيم , و اشتدت ثورة الأستاذ أبو عقدة :
- و كمان بتحلف يا جاهل ..
ثم ضربه شلوتا قويا و هو يصرخ : بره .. بره .. صفر .. ساقط .. بره .. اخرج بره ..
و أسرع الولد يجرى خارجا , بينما الأستاذ أبو عقدة يضرب كفا بكف و و يتعجب كيف يجاوب الولد بسهولة على سؤال للأستاذ أبو عقدة .. هل هان مستوى أسئلته إلى هذا الحد ؟
و شخط الأستاذ أبو عقدة فى الساعى :
- نادى لى على الطالب أحمد أحمد المرحوم .
و عندما دخل الولد تكرر نفس المشهد , إذ استقبله الأستاذ بالسؤال الأول :
- انت أحمد أحمد المرحوم ؟
و ما أن أجاب بنعم حتى حدث له ما حدث لأحمد أحمد الغلبان , و انتهى الأمر بطرده و إعطائه صفرا بينما الأستاذ أبو عقدة يصيح :
- و الله مسخرة . عشت و شفت طلبة حمير يجاوبوا على سؤال لى بنعم .. أنا ماحدش يعرف يجاوب على أسئلتى .. أنا أسئلتى لها مستوى .. أسئلة ذكاء لا يمكن حد يجاوب عليها ..
نادى لى ع اللى بعده أحمد أحمد الناصح .. و الله عال .. وادى واحد عاملى ناصح .
دخل الولد فاستقبله الأستاذ أبو عقدة من الباب :
- انت أحمد أحمد الناصح ؟
قال الولد : ده سؤال صعب يافندم .. و الله موش عارف ..
و هنا انفرجت أسارير الأستاذ أبو عقدة و نظر إلينا و إلى زميليه فى اللجنة و هو يقول :
- موش باقول لكم إن أسئلتى لا يمكن أن تكون سهلة أبدا ؟
ثم ضرب الولد على قفاه بشدة قائلا :
- تعالى امتحن يا جاهل .. تعالى جاتكو القرف .
جلس الولد أمام اللجنة فسأله الأستاذ أبو عقدة :
- قوللى يا أبو جهل .. أنت اسمك إيه ؟
- ده سؤال عويص يافندم .. ادينى فرصة لسؤال تانى .
و ضحك الأستاذ أبو عقدة فى فخر لأن الولد عجز عن الرد و عاد يسأله :
- انت طالب هنا فى المعهد ؟
- ممكن أفكر فى السؤال شوية يافندم ؟
- فكر يا جاهل ..
- فكرت يافندم خلاص ..
- انت طالب هنا فى المعهد ؟
- موش عارف الإجابة .. ممكن فرصة كمان ؟
- قوم يا جاهل .. صفر .
كان شيئا ممتعا أن نشهد أنا و الدندراوى رسوب مائة و خمسين طالبا بلغ مجموع درجاتهم مائة و خمسين صفرا .
الجمعة :
فى البيت مع الأستاذ الكبير أبو عقدة لمراجعة بقية أسئلة التاريخ التى وضعها الدندراوى . رفض الأستاذ أبو عقدة سؤالا يقول :
- اكتب بالتفصيل تاريخ العالم منذ خلق آدم و حواء حتى قيام حرب فيتنام .
قال الأستاذ أبو عقدة أنه سؤال سهل ممكن الإجابة عليه ..
و كتب بدلا منه سؤالا يقول :
- أجب عن السؤال التالى :
كان المفروض أن يكون هنا سؤال فى التاريخ , و لكن الممتحن عدل عن كتابته فى ورقة الأسئلة , فاذكر ما هو هذا السؤال و أجب عليه بالتفصيل .
احتضن الدندراوى الأستاذ أبو عقدة بشدة على هذا السؤال الرائع .
الجمعة :
الحمد لله .. لم ينجح أحد لا فى اللغة العربية و لا فى التاريخ .
أقمنا حفلة بهذه المناسبة عند الأستاذ الدندراوى .
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق