الجمعة، 14 ديسمبر 2012

و كله بالأصول

                                                        كان الأستاذ

كان الأستاذ أيوب أسعد خلق الله بالقرار الوزارى رقم 16398 المعدل لقرار الوزارى رقم 16397 , أخيرا سوف يتسلم سيارته التى يسمح القرار الأخير بالإفراج عنها فى الجمرك

لقد وصلت السيارة إلى الميناء عندما استوردها طبقا للقرار رقم 16396 , يومها أسرع الأستاذ أيوب إلى مكتب مطاوع أفندى – موظف الجمرك المختص – الذى مالبث أن قابله بالود و الترحاب بعد دفع رسم الود و الترحاب .


و بينما كان مطاوع أفندى يتخذ إجراءاته للإفراج عن السيارة , استأذنه الأستاذ أيوب فى الذهاب إلى دورة المياه , و عندما عاد بعد دقائق , أخبره مطاوع أفندى أن قرارا وزاريا جديدا قد صدر و أبلغوه به , و هو القرار رقم 16397 بمنع استيراد السيارات التى تسير بالبنزين أو بالسولار .


و فى محاولة مخلصة لمواساة الأستاذ أيوب , دعاه مطاوع أفندى إلى شرب فنجان قهوة , فلعله لن ينتهى من شرب قهوته إلا و يكون قد صدر قرار وزارى جديد يتيح له الإفراج عن سيارته .

- اتكل على الله و قول يارب ..

و لم يكد مطاوع أفندى ينتهى من عبارته هذه حتى دق جرس التليفون على مكتبه , و كان على الطرف الآخر سكرتير الهماميلى بيه – مدير جمرك السيارات – يطلب مطاوع أفندى على وجه السرعة .


أصول الأصول


أشار الهماميلى بيه إلى شاب تجاوز العشرين بقليل قائلا لمطاوع أفندى :

- ممدوح بيه .. له عربية عندنا ..


و انحنى مطاوع أفندى لممدوح بيه :

- أهلا يافندم .. طبعا عربية ممدوح بيه لا تمشى بالبنزين و لا بالسولار ..

و رد الهماميلى بيه :

- تمام ..

- خلاص يافندم .. تبقى عربية ممدوح بيه غير خاضعة للقرار الوزارى الجديد ..

- أيوه .. بس انت عارف انى دايما التزم بالقواعد و الأصول فى شغلى ..

- دى حاجة معروفة عن سعادتك يافندم ..

- علشان كده عايزك تعمل له شهادة إدارية بإمضاء اتنين موظفين و ختم النسر بأن عربيته لا بتمشى بالبنزين و لا بالسولار .

- كده سليم يافندم .. نكتب إنها بتمشى بالبوتاجاز يافندم ؟

- لا ..

- بالسبرتو يافندم ؟


بعد أخذ و رد , استقر الرأى أخيرا على أن تنص الشهادة الإدارية بأن السيارة الخاصة بممدوح بيه لا تسير بالبنزين و لا بالسولار , و لكنها تسير بالوقود .


نايم و لا صاحى ؟


فى خطى نشيطة , قطع مطاوع أفندى الممر الطويل ليبلغ الأستاذ أيوب ببشرى الشهادة الإدارية التى سوف تفرج عن سيارته أسوة بالولد ممدوح بيه , و كانت فرحة الأستاذ أيوب لا تقدر , حتى أنه دفع لمطاوع أفندى الرسوم المقررة على هذه الفرحة .

و فى وقت مبكر جدا من صباح اليوم التالى , خرج الأستاذ أيوب يسعى لإحضار الشهادة التى تثبت أن سيارته لا تسير بالبنزين و لا بالسولار و إنما بالوقود , و فى هذه الأثناء اتصل الأستاذ أيوب ببيت الوزير منتحلا صفة رئيس مجلس إدارة , و رد عليه السفرجى بأن السيد الوزير نائم , فحمد الله و شكره إذ لا يمكن أن يصدر السيد الوزير قرارا جديدا و هو نائم .


بقى إمضاء الموظف الثانى , إن الوقت يمر بسرعة و لا بد من أن ينتهز فرصة نوم الوزير و ينهى هذه الشهادة و يقدمها بأسرع وقت للإفراج عن السيارة التى استنفد من أجلها أجازاته العرضية و المرضية .

و استولى عليه هاجس قوى : ممكن الوزير يصدر قرار جديد و هو نايم ؟ ممكن .. ليه لأ , و راح هذا الهاجس يتضخم فى رأسه خاصة أن البحث عن الموظف الثانى الذى سيوقع الشهادة لايزال تصادفه العقبات .


و اتجه إلى التليفون . و رد عليه عبد الدايم السفرجى .

- أيوه يافندم السيد الوزير صحا .

- يا خبر . صحا إمتى ؟

- حالا يافندم .

- ماأصدرش قرارات بعد ما صحا ؟

- ماعرفش يافندم .

- و لا و هو نايم


و أقفل الأستاذ أيوب السكة و أصبح فى سباق رهيب مع الزمن .

 
فرجه قريب !

كان واضحا أن مطاوع أفندى عصبى نوعا و منحرف المزاج عندما اندفع الأستاذ أيوب داخل مكتبه يلهث و يتصبب عرقا و هو يقدم إليه الشهادة الإدارية .


و دفع الأستاذ أيوب الرسوم المقررة لإزالة عصبية مطاوع أفندى و انحراف مزاجه .

و تبسم مطاوع أفندى .

و ما أن بدأ يتخذ إجراءات الإفراج عن السيارة حتى استدعاه الهماميلى بيه .


و غاب مطاوع أفندى طويلا . و بدأ القلق يتملك الأستاذ أيوب , فنهض إلى التليفون و أدار القرص .

- آلو .. مكتب السيد الوزير .

- أيوم يافندم .

- قوللى من فضلك السيد الوزير ماأصدرش قرار جديد ؟

- بخصوص إيه ؟

- بخصوص استيراد السيارات .

- مين بيتكلم ؟

- أيوب عبد الصبور رئيس مجلس إدارة الشركة العامة للمشاوير الجمركية .

- أهلا يافندم . فعلا السيد الوزير أصدر القرار رقم 16400 المعدل للقرار 16399 بشأن استيراد السيارات .

- بيقول إيه القرار ؟

- غير مسموح باستيراد أى سيارة إلا إذا كانت تسير بالبنزين أو السولار .. لابد من البنزين أو السولار .

- متشكر .. ألف شكر .

و وضع الأستاذ أيوب السماعة و هو يتنفس الصعداء . انتهت المشكلة و لا لزوم لهذه الشهادة الإدارية .

 

يا مسهل !

 

و عندما دخل مطاوع أفندى مكتبه , بادره الأستاذ أيوب قائلا بوجه متهلل :

- أنا عرفت القرار الوزارى الجديد .. الحمد لله المشكلة اتحلت ..

- أى قرار ؟

- رقم 16400 .. ممنوع استيراد أى سيارة إلا إذا كانت تمشى بالبنزين أو السولار .

- أيوه دى المادة رقم واحد من القرار .

- هو فيه مادة تانية ؟

- طبعا .. اسمع يا سيدى : و يحظر استيراد السيارة ذات الأربعة أبواب .. و عربيتك بأربع أبواب .


و انهار الأستاذ أيوب فوق مقعده و قد راودته رغبة عنيفة فى البكاء و اللطم , بينما راح مطاوع أفندى يشرح له أسباب هذا القرار كما سمعها من السيد وكيل الوزارة الذى اتصل تليفونيا بالهماميلى لتنفيذ القرار فورا توفيرا للعملة الصعبة . فإن استيراد قطع غيار الأبواب يكلف الدولة سنويا ربع مليون جنيه استرلينى , فإذا اختصرنا عدد أبواب السيارة إلى بابين فقط وفرت الدولة نصف هذا المبلغ فى شراء قطع غيار أبواب السيارات .


- و العمل يا مطاوع بيه ؟


و مط مطاوع أفندى شفته السفلى معبرا عن العجز و قلة الحيلة , و أصبح واضحا أن تفكيره قد توقف أمام حجم المشكلة الجديدة .


و لكن مطاوع أفندى عاوده التفتح الذهنى بعد دفع الرسوم المقررة بتشغيل المخ , فهو يذكر واقعة خلاصتها أن أحد المواطنين استورد (هون) , و قبل وصول الهون إلى الميناء , كان قد صدر قرار وزارى بحظر استيراد إيد الهون و السماح باستراد الهون فقط , و ذلك حماية ً لصناعة أيادى الهون المحلية , فقدم المواطن التماسا بإعادة تصدير إيد الهون و الإفراج عن الهون نفسه بدون إيد , و أجيب إلى طلبه .

بناءً عليه , يستطيع الأستاذ أن يخلع البابين الخلفيين فى السيارة و يعيد تصديرهما .

 

و لكن الأستاذ أيوب لم يتحمس لهذا الحل الذى يشوه شكل السيارة , و آثر أن ينتظر مكتب مطاوع أفندى , فلعل قرارا وزاريا جديدا يصدر و يحل المشكلة , غير أن مطاوع أفندى , نبهه إلى أن القرار الوزارى القادم قد يأتى على غير ما يشتهى , فيشترط مثلا لاستيراد السيارة أن يكون لها خمسة أبواب , فمن أين يأتى بالباب الخامس ؟

كلام معقول ..

و لا بد من حل قبل صدور قرار وزارى جديد يحمل مفاجأة تزيد المشكلة تعقيدا .

و بعد بحث طال , تفتق ذهن مطاوع أفندى على اقتراح ثلاثة حلول لحل المشكلة :


الأول : أن يتقدم بالتماس إلى السيد المدير العام يتعهد فيه بإغلاق البابين الخلفيين عن طريق لحامهما بالأكسجين إلى الأبد ..

الثانى : أن يتقدم بالتماس إلى السيد المدير العام بوضع قفل إنجليزى كبير على كل باب خلفى من الداخل و أن تحتفظ الجمارك بالمفتاحين ضمانا لعدم فتح القفلين إلى الأبد .

الثالث : أن يقدم التماسا إلى السيد المدير العام بأن تتولى لجنة من الجمارك إغلاق البابين بالشمع الأحمر و ختم الشمع بخاتم الجمرك و بذلك يستحيل فك الشمع و إلا تعرض الأستاذ أيوب للعقوبات المنصوص عليها فى القانون .


و قدم الأستاذ أيوب الالتماسات الثلاثة واحدا وراء الآخر , و كان الرد على كل التماس تأشيرة تقول :"يعاد تصدير السيارة و على الطالب استيراد سيارة ببابين طبقا للقرار الوزارى رقم 16400".


و طال عمره !


مضى يوم , و اثنان و ثلاثة و القرار الوزارى رقم 16400 لم يتغير بقرار جديد , و فى تلك الأثناء اتصل الأستاذ أيوب بمكتب و منزل الوزير مرارا تلهفا على قرار جديد , حتى نشأت بينه و بين عبد الدايم – السفرجى فى بيت الوزير – شبه ألفة , خاصة اتصالاته لمعرفة ما إن كان الوزير قد عاد أو لا يزال على سفره .


و عاد الوزير , و لكن القرار لم يتغير , لقد ضرب القرار رقم 16400 الرقم القياسى فى طول العمر , و بعد اثنين و عشرين يوما – و القرار مازال يسرى – لم يجد الأستاذ أيوب بدا من إعادة تصدير السيارة , مبرقا إلى أخيه فى أوروبا أن يرسل إليه سيارة فولكس فاجن ببابين ..

 

ثم حدث ما كدر الأستاذ أيوب و أسلمه إلى قلق مستمر , إذ سرت إشاعة قوية بأن قرارا وزاريا جديدا سوف يصدر و يقصر الاستيراد على السيارة ذات الباب الواحد , كما سرت إشاعة أخرى بأن القرار الذى سيصدر سيقصر الاستيراد على السيارة التى ليس لها أى باب .

 

و انتهت هذه الإشاعات جميعا بنوبة ضحك شديدة غرق فيها الأستاذ أيوب . فقد ظل يضحك و يضحك عندما صدر القرار الوزارى الجديد رقم 16401 حظر استيراد السيارة ذات البابين و إباحة استيراد السيارة ذات الأربع أبواب


عالم الأشباح !


و تم نقل الأستاذ أيوب إلى المستشفى لعلاجه من الصدمة العصبية التى أسلمته إلى حالة ضحك هستيرى مستمر , أعقبتها حالة فزع ظل بعدها يجرى و هو يستغيث بالناس من قرار وزارى يجرى وراه , و عندما أمسك أهله به و أعادوه إلى البيت , قفز مختبئا فى الدولاب و أغلقه عليه , و راح يستحث أسرته فى صياح شديد أن يتصلوا بشرطة النجدة لحمايته من القرار الوزارى الذى ينتظره على باب الدولاب .


و عندما بدأ الأستاذ أيوب يتماثل لشفاء , كانت أوامر أطبائه صارمة إلى أفراد الأسرة و المعارف بعدم إبلاغه بأى قرارات وزارية خاصة باستيراد السيارة , فقد ظل يردد خلال غيبوبته استغاثات الفزع من القرار الوزارى الذى يجرى خلفه .

 

و بسبب أوامر الأطباء , لم يعلم الأستاذ أيوب – خلال مدة مرضه – بصدور القرار الوزارى بحظر استيراد السيارة ذات الموتور ثم القرار الذى جاء بعده بحظر استيراد السيارة الملاكى نصف جنزير , ثم القرار التالى له و الذى يشترط لاستيراد السيارة أن يكون لها 65 فردة كاوتش استبن , ثم القرار الذى أعقبه و يشترط دفع 100 جنيه مصرى بالعملة الصعبة إذا كانت عصا فيتيس السيارة فى الأرضية , ثم القرار الذى تلاه و يشترط لاستيراد السيارة إحضار شهادة من القنصلية المصرية فى المدينة المصدرة – مقابل 200 جنيه بالعملات الحرة – بأن القنصلية تشهد بأن هذه سيارة و ليست ترماى , إذ لجأ بعض ذوى النفوس الضعيفة – تهربا من قرارات استيراد السيارات – إلى استيراد ترميات ملاكى متنكرة فى شكل سيارات , كما تم ضبط ديزل مجرى مكتوب عليه ملاكى جيزة .


و لم يدر الأستاذ أيوب أيضا أنه خلال فترة مرضه أصدرت دائرة المعارف البريطانية عشرة أجزاء ضخمة من مجلداتها لتعين الباحثين فيها فى كيفية استيراد سيارة فى مصر , كما ظهرت عشرات الكتب المؤلفة فى القاهرة عن استيراد السيارات و الطريق إلى استيراد سيارة , كذلك ظهرت كتب طبية نفسية بعنوان "واجه القرار الوزارى بروح طيبة" و "ابتسم .. غدا يصدر قرار وزارى جديد" و "لا تستورد سيارة و عش سعيدا" فقد تضاعف عدد المصابين بالانهيار العصبى . حتى أن بعض أطباء الأعصاب قرروا فتح مستشفى جديد يتخصص فى هذه الحالات اسمه "أوتوكلينيك" !


ربك يعدلها !


عندما توجه الأستاذ أيوب إلى الجمرك , كان يعرف أن آخر قرار وزارى قد صدر بشأن استيراد السيارات يحظر استيراد السيارات بكافة أنواعها ماعدا الأوتوبيسات ..


لكنه كان هادئ الأعصاب تماما , فقد ابتلع قرصا مهدئا للأعصاب من أقراص (أنتى – قارار) التى وصفها له الطبيب لتعينه على مواجهة أى قرار وزارى بهدوء , ثم أنه أدرك – بالتجربة – أن أى قرار وزارى يتغير كل يوم , و لا بد أن يصدر ذات ساعة القرار الوزارى الذى يحل مشكلته .


لذلك جلس هادئا فى مكتب مطاوع أفندى , حتى لقد بلغت به قلة المبالاة أنه لم يدفع رسوم الترحيب لمطاوع أفندى . الأمر الذى حدا بمطاوع أفندى إلى أن يقول فى شماتة :

- مفيش فايدة .. المرة دى مافيهاش تصريف ..

فرد الأستاذ أيوب ببرود شديد :

- ربك يعدلها ..


و بينما كان مطاوع أفندى يرد فى نبرة شبه متهكمة : لعل و عسى , رفع الأستاذ أيوب سماعة التليفون و هم بإدارة القرص , لكنه تذكر أن الوزير ليس بمكتبه فى الوزارة , لقد قرأ اليوم أن الوزير معتكف فى البيت لإصابته بالانفلونزا , لكن الانفلونزا لا تمنع أن يمارس الوزير نشاطه القراراتى , هل يكون قد أصدر قرارا فيه الفرج ؟


و تردد الأستاذ أيوب فى إدارة القرص .. و فى اللحظة التى هم فيها أن يضع السماعة , كان مطاوع أفندى قد سأله :

- عايز تكلم مين ؟ ريح نفسك يا أستاذ أيوب .. المرة دى مافيهاش تصريف ..

قال الأستاذ أيوب بشكل تلقائى :

- أبدا .. أنا كنت ح اتصل بالوزير فى البيت ..

- مين ياخويا ؟

قالها مطاوع أفندى فى تهكم مرير , فرد الأستاذ أيوب فى لامبالاة:

- يووه .. ياما اتصلت بالوزير فى المكتب و البيت .

قال مطاوع أفندى فى تحد واضح :

- طب ورينى كده ..

- آدى نمرة البيت .. خد اطلبها بنفسك .. دى فرصة إن الواحد يسأل عن صحته .


آلو .. سيادة الوزير


أدار مطاوع أفندى الرقم و هو غير مصدق , يضحك بشدة من ذلك الرجل المعتوه الذى يدعى معرفة السيد الوزير .

و كانت الضحكة لا تزال تملأ وجه مطاوع أفندى و هو يمسك بالسماعة قائلا :

- ده منزل السيد الوزير فلان الفلانى .. ؟

عندما جاء الرد (أيوه يافندم) , اختفت الضحكة من وجه مطاوع أفندى و أصابه ارتباك عظيم , دفع معه السماعة إلى يد الأستاذ أيوب و كأنه يريد الخلاص من مسئولية خطيرة ستؤدى به إلى مصائب مجهولة ..


و أمسك الأستاذ أيوب بالسماعة قائلا فى ثبات :

- آلو .. مين ؟ عبد الدايم ؟ أهلا يا محروس .. أنا أيوب .. الله يسلمك طمنى .. إزاى السيد الوزير النهاردة ؟ كده .. لا ألف سلامة عليه .. بلغه تحياتى و تمنياتى بالشفا إن شاء الله


عند هذا الحد من الحديث كان مطاوع أفندى مبهوتا مأخوذا لا يكاد يصدق ما يرى و ما يسمع , و عندما بدأ الأستاذ أيوب يسأل الخادم عما إذا كان السيد الوزير زاول العمل فى البيت اليوم , كان مطاوع أفندى قد غادر المكتب مسرعا ..


و وضع الأستاذ أيوب السماعة و قد أيقن من حديث الخادم أن الوزير لن يعمل اليوم , إذ حتم عليه الطبيب الإخلاد إلى الراحة التامة ..

لا قرارات جديدة إذن .. و لينصرف مادام ليس فى انتظاره جدوى .

و تلفت فلم يجد مطاوع أفندى .


الأستاذ أيوب .. سابقا !


كان مطاوع أفندى فى مكتب الهماميلى بيه يشرح أمر المحادثة التليفونية التى أجراها الأستاذ أيوب مع بيت السيد الوزير , و كيف أن الأستاذ أيوب كان يتحدث و كأنه واحد من الأسرة , فاستولى الاهتمام البالغ على الهماميلى بيه , و راح يستفسر من مطاوع أفندى عن مطالب الأستاذ أيوب من الجمرك , فعلم أن له سيارة فولكس مستوردة و القرار لا يسمح إلا باستيراد الاوتوبيسات .


و انقلب الهماميلى بيه إلى وحش كاسر يكاد يفتك بمطاوع أفندى لأنه لم يحضر الأستاذ أيوب إلى مكتبه من أول دقيقة للقيام بواجبات الترحيب و التكريم نحوه .


و لم تشفع لمطاوع أفندى أيماناته المغلظة بأنه لم يكن يعرف أن أيوب بيه قريب للسيد الوزير . و زاد الطين بلة أن أيوب بيه – الأستاذ أيوب سابقا – كان قد انصرف من مكتب مطاوع أفندى , و بأمر السيد المدير , انطلقت السيارة المخصصة له تحمل مطاوع أفندى بحثا عن أيوب بيه فى الشوارع المجاورة و أخيرا تم العثور على أيوب بيه واقفا أمام غجرية (نبين زين) يوشوش الدكر لمعرفة بخته فى القرار الوزارى القادم .


مطاوع الغبى !


كان واضحا أن المسألة كلها تمثل لغزا يصعب تفسيره بالنسبة لأيوب بيه .

إنه لا يفهم شيئا مما جرى و يجرى أمامه .. الترحيب من الهماميلى بيه الذى استقبله على الباب الخارجى , أجلسه الهماميلى بيه معه فى صالون غرفة المكتب على الكنبة باعتباره من كبار الضيوف الذين لا يصح للهماميلى بيه الجلوس على كرسى مكتبه فى حضرتهم .. مخاطبته بأيوب بيه , المشروبات و المرطبات التى قدمت إليه .. الاعتذار المتكرر من جانب الهماميلى بيه بأن مطاوع أفندى غبى و متخلف عقليا لأنه لم ينه إجراءات الإفراج عن سيارة أيوب بيه..

ما الذى جرى بحق السماء ليلقى كل هذا التكريم الخرافى و المعاملة الأسطورية ؟


سؤال لم يستطع أن يرد عليه أيوب .. كل ما استطاع أن يصل إليه هو أن هذا الرجل – الهماميلى بيه – موظف كبير مثالى جدا فى معاملته لإخوانه المواطنين العاديين .. حقا راجل أمير .. إن أيوب لا يندم على شئ الآن قدر ندمه على أنه كان يتعامل مع ذلك الخنزير مطاوع أفندى الذى استنزف من جيبه الكثير دون جدوى .


فجأة دخل سكرتير الهماميلى بيه يقول :


- الاجراءات انتهت يافندم .. و بلغت أوامر سيادتك بفتح الخزانة علشان أيوب بيه يدفع الرسوم ..

و التفت أيوب يسأل الهماميلى بيه فى دهشة :

- الله ! هو صدر قرار وزارى جديد وللا إيه ؟

و رد الهماميلى باحترام بالغ :

- يافندم مفيش قرارات جديدة صدرت .

- موش فيه حظر استيراد سيارات ماعدا الاوتوبيسات ؟

- تمام يافندم .

- أمال إيه العبارة ؟

- و لا حاجة يافندم .. كل شئ سليم و احنا بنطبق القواعد و الأصول .


و كله بالأصول


عندما اصطحب الهماميلى بيه الأستاذ أيوب ليتسلم سيارته الفولكس فاجن ذات البابين , تأكد الأستاذ أيوب فعلا أن القواعد و الأصول قد طبقت بدقة , إذ جاء فى محضر معاينة السيارة تمهيدا للإفراج عنها أنها (سيارة أوتوبيس تتسع لثلاثة ركاب و واحد وقوف , و لها باب شمال لصعود الركاب و باب يمين لنزول الركاب و جلدة بجانب السقف ليمسك بها الراكب الواقف) ..!

و أشار الهماميلى بيه إلى لوحة فى مقدمة سقف السيارة قائلا :

- مفيش أى مخالفة للقرار الوزارى زى ماسيادتك شايف

و كانت اللوحة مكتوب عليها (عتبة – جيزة و بالعكس) .

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق