الجمعة، 14 ديسمبر 2012

صورة واحد سيريالي:

                                                                     سيريالي

السبت :

فكرى مشغول جدا بلوحتى الجديدة (الحلاق و القفا) ..

فبعد تفكير سيريالى استطلاعى استضمانى استغراقى , توصلت إلى أن القفا لا يفارق عيون أى حلاق . فهو فى المحل أمامه قفا , و هو فى الشارع تنجذب عيونه إلى أى قفا يمر به , فإن كان ذلك القفا طويل الشعر , لعبت أصابعه – غصب عنه – رقصة المقص , و إن كان القفا حليقا , نظر بعين الناقد إلى فنية الشغل , و الخلاصة أن عيون الحلاق مشتبكة بكل قفا فى كل مكان و زمان , فالدنيا عنده قفا , و الحياة عنده قفا و لذلك قررت أن يكون مضمون اللوحة مضمونا قويا سرياليا .
الثلاثاء :
منهمك فى اللوحة . و لقد اعتذرت عن عدم حضور اجتماع جمعيتنا السريالية العليا التى تضم رواد مذهبنا العظيم فى كل ميدان من ميادين الفن : الرسام الكبير زكى هلاوس , الكاتب الطليعى عبده المجنون , المخرج الطليعى فهمى بارانويا , المثال العظيم أحمد عباسية , الموسيقار الكبير حنفى مورستان .
الأربعاء :

مشغول فى اللوحة .

زارنى زميلى أحمد عباسية و معه تمثال (الصبر) الذى ناقشته الجممعية فى اجتماعها أمس , بهرنى التمثال حقا لما احتواه من مضمون استنباطى ميتافيزيقى , فالتمثال عبارة عن قالب طوب أحمر مكتوب عليه (مصنع طوب أبو جبل) . تأملت التمثال لمدة ساعة محلقا بفكرى فى آفاق ما فوق الواقع و ما وراء الطبيعة . و لم أتمالك نفسى من شدة الإعجاب فقمت احتضن أحمد عباسية بشدة مهنئا على تلك التحفة الفنية الرائعة

الاثنين :
أنا سعيد .. أنا سعيد .. فقد انتهيت اليوم من لوحتى الخالدة (الحلاق و القفا) . و عرضتها على إخوتى الثلاثة فى البيت فلم يفهمها أى واحد منهم مع أنهم من هواة ذلك المذهب العظيم و يسمون أنفسهم فرقة الأشبال السيريالية .

فقد حملق أخى الكبير فى صورة القفا الذى رسمته ثم قال:

- دى صورة زمبلك .
فعارضه أخى الأوسط بعد طول تدقيق فى اللوحة . مؤكدا أنها صورة مكرونة اسباجيتى مدللا على ذلك برمزية النقط الحمراء , فالنقط الحمراء ترمز إلى الصلصة باللحمة المفرومة لزوم الاسباجيتى , بينما أكد أخى الأصغر فى ثقة أنها صورة صفيحة زبالة ..
كنت فى قمة سعادتى و هم يتخبطون , و بحركة من يدى أوقفت مناقشاتهم قائلا :

- هذه صورة قفا أما عيون الحلاق .
فعادوا جميعا يحملقون فى اللوحة صامتين بينما قلت أنا :

- ألا ترون عيون اللحاق .. ؟
فأمعنوا التفرس فى اللوحة طويلا بحثا عن عيون الحلاق , و أخيرا أعلنت لهم أننى لم أرسم عيون الحلاق لأن المفروض أن تكون عيون الحلاق أمام القفا , أى أمام اللوحة . فلا يمكن رسمها فى الصورة طبعا , و إنما يجب إدراك ذلك بالتصور السيريالى الأعلى للاوعى الاستنباطى فهزوا رؤوسهم فى راحة , و أشار أخى الأوسط إلى الهواء – أمام اللوحة – قائلا : فعلا هذه هى عيون الأسطى .
و سألنى زوج أختى عن معنى الخطوط اللولبية الغليظة التى يتكون منها القفا فقلت له أن هذه الخطوط هى المصارين .

- المصارين .. ؟؟
هكذا تساءل فى دهشة فأفهمته أنه مادام الانسان هو مجرد قفا فى نظر الحلاق , فيجب أن تكون المصارين و القلب و المعدة و الطحال و الكبد و خلافه داخل القفا , و استوضحنى فعدت أقول أن الانسان فى نظر الحلاق يتركز فى القفا فقط و لهذا يجب أن تضم صورة القفا جميع أعضاء الانسان , فهذه الخطوط اللولبية هى المصارين , أما النقط الحمراء فهى رموز سيريالية للقلب و الكبد و خلافه و إن كان الجهلاء يفسرونها بأنها حبوب القفا إذا عرفوا أن هذا قفا . انبهرت فرقة الأشبال باللوحة انبهارا شديدا بعد هذا التفسير الاستنباطى ..
الثلاثاء :
حضرت ندوة الجمعية اليوم ..

كانت ندوة رائعة استهلها الموسيقار السيريالى الكبير حنفى مورستان بعزف مقطوعة عاطفية اسمها (مضمون حبيبى) عزفها موسيقارنا بمفرده على البيانو والكمنجة و العود و الطبلة فى وقت واحد . يده اليمنى كانت على أوتار العود الموضوع فوق البيانو , يده اليسرى على البيانو . بين أسنانه قوس الكمنجة , أحمد عباسية يمسك له بالكمنجة بينما رجل الموسيقار تدق الطبلة على الأرض .
كانت لحظات باهرة استمتعنا فيها بنغمات طليعية مذهلة نابعة من اللاوعى الخامد فى أعماقنا كحمار عظيم نائم من التعب .
و عندما انتهى منها استعدناه , و فى المرة الثانية عزف المقطوعة بنغمات أخرى مختلفة تماما عن المرة الأولى , مؤكدا بذلك مقدرته السيريالية الفائقة .

و بعد ذلك أعلن سكرتير الندوة – الفنان زكى هلاوس – أن كاتبنا السيريالى الكبير عبده المجنون سوف يتحفنا بآخر انتاج له و هو قصته الجديدة (هك يك) فشد انتباهنا ذلك العنوان السيريالى المشوق الذى يحرك كل عضلات اللاوعى المسطولة فى أعماقنا لكى تنشط و تستنبط المفاهيم الانضمانية العليا .

و بدأ الأستاذ عبده المجنون فى قراءة قصته الرائعة حتى فوجئنا بالمخرج فهمى بارانويا يلطم خديه إعجابا بالفقرة التى يقول فيها الأستاذ المجنون :

"و مشى فى الطريق يغنى فى سعادة عظيمة , فقد كان يعانى تعاسة فظيعة , كان الغناء يتصاعد من حواجبه السفلى فى نشوة متألمة حتى توقف و هو يمشى و مشى و أقدامه لا تتحرك و عند حافة الفنجال استطال الحبل حتى قصر قصرا شديدا و زاد طوله انكماشا فى تلك الآونة المزدانة بأوراق نضرة شديدة الجفاف , الحمراء و لكنها بيضاء , حلوة شديدة المرارة فى حلقوم حذائه الأسود , فصرخ حاجباه صرخة مدوية بينما افترت أذنه عن ابتسامة هادئة كشفت عن أسنانه الذهبية فى طبلة الأذن , و أخرج لسانه من أنفه ليمسح به شعره الأخضر و نظر بفمه إلى الطريق و قد ندت عن حاجبيه صيحة قوية .

- هك يك ..
فجاءته الأصداء مرددة :

- يك هك ..
و على الفور لاحت فى الأفق جموع هائلة من مشابك الغسيل تعدو نحوه .. فصرخ فى فزع ..

- أنا مكنسة .. أنا مكنسة ..
و انبطح على الأرض زاحفا ليكنس الطريق , فوجد الأسفلت رز بلبن و قد نبتت فيه زهور الباذنجان و الكفتة" .

و عندما هدأنا من روع المخرج فهمى بارانويا فوجئنا بالأستاذ عبده المجنون يأكل الورقة التى كان يقرأ منها و هو يصيح بشدة :

- أنا مكنسة .. أنا مكنسة .
فاحتضناه جميعا مهنئين بتلك اللحظة الرائعة من لحظات اكتشاف اللاوعى عنده بأن حقيقته الانسانية هى مجرد مكنسة .. تلك اللحظات المضيئة التى كانت تعاوده من حين لآخر عندما كان نزيلا بمستشفى الخانكة ..
و تحدث بعد ذلك المخرج فهمى بارانويا مشيدا بتلك العبقرية الخلاقة و أعلن أنه سوف يخرج قصة (هك يك) للمسرح ليضيف إلى التراث المسرحى العالمى رصيدا جديدا سوف يخلد على الزمان و أعقب ذلك مناقشة فى دراسة لوحة الفنان زكى هلاوس , و هى لوحة سيريالية بعنوان (زمهرير الشتاء) , و إن كان لم يكتب اسم اللوحة فوقها , و تعاقبت التعليقات تمتدح اللوحة الرائعة , فقال المثال أحمد عباسية أن الألوان و الخطوط توحى بجو شديد الحرارة ثم فتح قميصه و راح يهوى على وجهه من الحر بسبب تأثير اللوحة , بينما قال عبده المجنون أن الألوان و الخطوط توحى بنسمة ربيعية نشوانة همدانة حيرانة , و علق الموسيقار حنفى مورستان قائلا أن اللوحة توحى بصوت صفارة قطار .
تدارسنا اللوحة دراسة استنباطية عميقة تشعبت فيها المناقشات و انتهت الندوة عند هذا الحد ..
الجمعة :
ذهبنا جميعا لزيارة زميلنا السابق فى الجمعية المهندس محمود محمود محمود بمستشفى العباسية , لقد دخل المستشفى كضحية من ضحايا التخلف الفنى و العقلى عند الناس إذ كلفه واحد جاهل ببناء عمارة فبنى له عمارة سيريالية رائعة ليس لها أبواب و لا نوافذ و لا غرف و لا سلالم و لا حاجة فأبلغ عنه الشرطة .
مسكين محمود محمود محمود ..

السبت :
أرسلت لوحتى الجديدة (فاتنة) لأشترك بها فى معرض الفن السيريالى , لقد بهرت اللوحة المخرج فهمى بارانويا انبهارا شديدا و قال لى أنها توحى – بمضمونها – بصورة أمنا الغولة .
كان فهمى بارانويا فى زيارتى ليكلف خادمى بطبخ عشرين كيلو أرز بلبن يفرش به أرض المسرح لمسرحية (هك يك) للكاتب الطليعى عبده المجنون ..
الأحد :

فازت لوحتى (فاتنة) بالجائزة الأولى فى المعرض ..
الاثنين :
سافرت إلى الاسكندرية لتسلم الجائزة , وجدت لوحتى معلقة بالمقلوب ...

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق