فى الساعة السابعة من مساء ذلك اليوم اكتشفت أننى أكلم نفسى , و يبدو أن كلامى مع نفسى بدأ بصوت هامس ثم أخذ يتدرج فى الارتفاع حتى تنبهت إلى ذلك .
إن كثيرا من الناس يكلمون أنفسهم , و لا يعرف الواحد منهم إن كانت هذه الحالة قد جاءته فجأة أم هى نتيجة طبيعية للزواج و مسئولياته , لكننى أعرف جيدا لماذا أكلم نفسى , فالفضل فى ذلك للبرنامج التليفزيونى " الوقاية خير من العلاج " . إن هذا البرنامج - الذى اكتشفته زوجتى - شجعنى لكى أكلم نفسى , و استضاف طبيبا قال : إن من الطبيعى أن يكلم الإنسان نفسه أثناء التفكير , فما التفكير إلا حوار بين الإنسان و ذاته , و لا مانع من أن يفكر الإنسان أحيانا بصوت مرتفع .
لقد اكتشفت أن الحوار بصوت مرتفع بينى و بين نفسى يعطى للألفاظ وضوحا أكثر للمعنى و قوة أكبر فى الإقناع , لقد أتاح لى خلو المنزل من زوجتى فرصة المناقشة الذاتية فى حرية تامة , و لم يقطع مسار هذا الحوار المثمر إلا جرس الباب . ظننت أن زوجتى عادت من عند الطبيب , و لكن الطارق كان جارى فؤاد .. و قد بدا عليه انزعاج واضح و هو يسألنى : من الذى تشتبك معه فى هذا الحوار الصاخب ؟.. فلما عرف أننى وحدى عاد يستفسر فى دهشة : إذن من الذى كنت تقول له مرارا : أنت حمار ؟
و إذا كنت يومها قد أخفيت عن جارى فؤاد أننى أتكلم مع نفسى , إلا أننى أصبحت أفعل ذلك فيما بعد بدون خجل , فبفضل زوجتى أصبح جيراننا جميعا - و معهم فؤاد و زوجته - من أشد المقتنعين بهذا البرنامج النافع العظيم " الوقاية خير من العلاج " . كلنا ننتظر مواعده , و نستمع إلى نصائحه , و نستمد منه الوعى الصحى , فنحن جميعا قد تجاوزنا منتصف العمر و أصبحت مشكلتنا الصحية هى مشكلة صيانة , خاصة أن الدكتور عتريس - أحد نجوم البرنامج - ينبهنا دائما بعبارته المأثورة إن كل الأمراض تكمن داخل جسمك و كل مرض منها ينتظر أول فرصة له عند ضعف المقاومة أو المناعة أمامه .
لهذا أصبحنا نزور الأطباء كثيرا , و فى أقل من شهر مثلا ذهبت زوجتى إلى أخصائى جهاز هضمى , و طبيب عيون , و أخصائى غدة , ثم أخصائى أنف و أذن وحنجرة , صحيح أن نتائج الفحص و الآشعة و التحاليل أثبتت أنه ليس هناك أى أثر لأى مرض , و صحيح أننى بعت نصيبى من قطعة الأرض , و لكن هذا كله لا يهم , فالحيطة واجبة .
و لعل أكثر ما شغل زوجتى بعد ذلك هو تلك البقعة الحمراء فى ظهر يدها التى نبه لها طبيب الأمراض الجلدية فى البرنامج قائلا : عند ظهور هذه البقعة فعليك أن تقاوم الرغبة بحكها بأظافرك , و سوف ترتفع درجة حرارتك , فاعرض نفسك على طبيب .
عقب انتهاء البرنامج , لاحظت زوجتى وجود هذه البقعة الحمراء فى يدها , و بدأت تقاوم بصعوبة الرغبة فى حكها بأظافرها , و باتت الليل تعانى و الترمومتر فى فمها يسجل ارتفاع نصف درجة .
و فى اليوم التالى فشلت زوجتى فى الحصول على موعد قبل شهر عند طبيب الأمراض الجلدية الكبير . و توسلنا ببعض الأقارب من أصدقاء الطبيب الكبير , فرضى أن نحجز موعدا مستعجلا بمائة جنيه بعد أربعة أيام , و فى خلال تلك الأيام الأربعة لزمت المسكينة الفراش تتألم , و كلما توافد على غرفتها بالبيت وفد من الأهل و الأصدقاء أرتهم البقعة الحمراء فى ظهر يدها و انخرطت فى البكاء .
و كثر كلامى مع نفسى فهو يكثر فى حالات الأم و حالات السرور . ثم زاد كلامى مع نفسى عن الحد المعقول عندما تأكد لى أن الطبيب استحق المائة جنيه عن جدارة , فقد اكتشف أن النقطة الحمراء على ظهر يد زوجتى هى نقطة من مطهر الميكروكروم , سقطت على يدها أثناء استعمال الزجاجة , و عندما عرفت زوجتى أنه ميكروكروم زال عنها الألم تماما و تم الشفاء و الحمد لله
*****
على الشاشة الصغيرة , ظهر الدكتور عتريس يردد كلمته المأثورة : إن كل الأمراض تكمن داخل جسمك , و كل مرض منها ينتظر أول فرصة له عند ضعف المقاومة أو المناعة أمامه , ثم انبرى بعد ذلك أخصائى يقول : من المعدة تبدأ كل الأمراض , لكنك تستطيع أن تتقى شرها جميعا باللبن و الزبادى , الزبادى صديق المعدة , الزبادى يطيل العمر , فلتكن وجبتك زبادى , و بين الوجبة و الوجبة زبادى .
و كان ولاؤنا للزبادى عظيما , و لم يعد لنا من طعام سواه , و عندما حدثت أزمة زبادى فى المدينة أدركنا أن جارنا فؤاد هو السبب , فقد كان حريصا على أن يطيل عمره , كان يتناول بين وجبة الزبادى و وجبة الزبادى وجبة ثالثة من الزبادى , و بلغت دقته فى تنفيذ تعليمات طبيب البرنامج درجة عظيمة , حتى أنهم نقلوه إلى المستشفى و أجروا له غسيل معدة , و جاءت سيارات المطافئ لشفط كميات الزبادى من الشوارع المحيطة بالمستشفى .
*****
و لقد كان برنامجا حافلا ذلك الذى قدمه ذات ليلة الدكتور عتريس .. سرد أنواع السموم التى يمكن أن يصاب بها الإنسان خطأ , و قدم معها الترياق المضاد لكل سم . و سجلت زوجتى هذه المعلومات النافعة على شريط فيديو , و اتخذت من هذا الشريط مرجعا تستذكر منه الأعراض المختلفة التى تظهر على الانسان عند تناوله كل سم , ثم طريقة العلاج , حتى أنها أصبحت عليمة بكيفية علاج حالات التسمم بأملاح النحاس و الصودا و البوتاسا الكاوية و الليزول و الاتروبين و الكحول و اليود و المخدرات و غيرها و غيرها .
و لقد انتهت مذاكرتها لهذا الشريط التليفزيونى بنظرة متأملة إلى كلبها الصغير ( تانجو ) ثم ما لبثت نظرتها إليه أن تحولت إلى فزع يكسو ملامح وجهها و هى تنادى الكلب القابع أمامها : تانجو .. تانجو .
سألتها و قد رأيت الكلب لا يستجيب للنداء :
ماذا به ؟
قالت : يا مصيبتى ! واضح إن عنده أعراض تسمم بالكوكايين .
- كوكايين ؟
- لا شك .. أنه كوكايين .
- من أين جاء بالكوكايين . هل تعتقدين أنه يشم الكوكايين من خلف ظهرنا ؟
- انظر .. هذه هى أعراض التسمم بالكوكايين .. اتساع حدقة العين .. الشحوب .. بطء التنفس .. سرعة النبض .. العرق البارد .
- و لكن الكلاب لا تعرق يا حبيبتى لأنه ليس لها غدد عرقية .. إنها تلهث بدلا من ...
قاطعتنى :
- هذا العرق بسبب الكوكايين
تجمع الجيران فى شقتنا يواسون زوجتى الباكية , و زادت حالتها النفسية سوءا لأن تانجو قاوم كل محاولات الاسعافات الأولية التى حاولت زوجتى أن تجريها له , فرفض شرب فنجان شاى أسود قوى , و لم يستجب و هى تحاول أن تساعده على التنفس الصناعى !
و أسرعت زوجتى بالكلب إلى الطبيب , و بقيت فى الشقة مع الجيران , و ما لبث أن قال أحدهم :
- كان يجب أن تكون حريصا فلا تترك الكوكايين فى متناول الكلب .
- و لكنى لا أتعاطى الكوكايين .
فعلق آخر : يا رجل لا داعى للانكار .
و قال ثالث ساخرا : لا بد أن تانجو نزل إلى السوق و اشترى لنفسه الكوكايين .
و قال الرابع : تصور أننى لم أشاهد الكوكايين .. أرنى ما شكله و لونه ؟ .. أريد ..
و لم يكمل الرجل عبارته , فقد نهرته زوجته قائلة : هل وصل بك الحال إلى أنك تريد تعاطى الكوكايين مثل هذا الشمام ؟
كان حضور منى - زوجة فؤاد - إلى الشقة فجأة بمثابة إنقاذ لى من ذلك الحرج القاتل و الجيران يرمقوننى بنظرات رخيصة كشمام كوكايين . لقد جاءت منى تولول قائلة إن زوجها يدور فى الغرفة بخطوات متثاقلة كفرانكشتاين , و يتهته بكلمات غير مفهومة .
صاح جار يسألها : هل فمه يلعب ؟
قالت منى : إنه لا يكف عن تلعيب فمه .. كيف عرفت ؟
قال الجار : هذا ما كان يتحدث عنه برنامج " الوقاية خير من العلاج " قال : إن هذه أعراض تيبس العضلات .
لم أعرف ما الذى جرى لفؤاد فى تلك الليلة , فقد انفضوا جميعا من حولى و اتجهوا إلى شقة فؤاد , و من نافذة المنور جاءت أصوات بعض الجيران الذين لا أعرفهم تتحدث عنى ..!! " كنا نظن إنه مجنون و هو يكلم نفسه . لم نعرف أنه يتعاطى الكوكايين " " طبعا هللوسة كوكايين " .
" فعلا قابلته فى الأسانسير مرة و كان فى حالة هذيان يحدث نفسه و يشير بيديه فى الهواء .. لعنة الله على المخدرات " .
عادت زوجتى و كانت سعيدة , فقد فحص الطبيب تانجو و أكد لها أن الكلب ليس مصابا بأى تسمم و لكنه يعانى بعض الاكتئاب , و لا بد له من نزهة يومية .
اضطررت أن أقوم بهذه المهمة مع الكلب بعد أن لزمت زوجتى الفراش . فلقد فتحت زوجتى التليفزيون فوجدت رجلا اسمه الدكتور راتب يصف هذه الأعراض : الرغبة فى العزلة , و الضعف العام , و افرازات من الأنف و الفم .
و لزمت زوجتى الفراش و قد انتابتها هذه الأعراض , لكنها لا تعرف اسم المرض لأنها لم تشاهد البرنامج من بدايته .
بناء على رغبة زوجتى , اتصلت بالتليفزيون لأعرف عنوان الدكتور راتب الذى تبين أنه ظهر فى برنامج آخر غير برنامج الدكتور عتريس .
كان الدكتور راتب كريما مهذبا .
- سألنى : متى ظهرت عليها أعراض المرض ؟
- منذ يومين .
- هل تراها ميالة إلى العزلة ؟
- جدا .
- و تعانى ضعفا عاما ؟
- أجل يا سيدى .
- و ريشها ؟ هل هى منفوشة الريش ؟
- و لكن زوجتى ليس لها ريش يا سيدى .
- فهمت ..! يا سيدى أنا كنت أتحدث فى التليفزيون عن مرض النيوكاسل الذى يصيب الدجاج , فأنا طبيب بيطرى
اعزائي اتمني ان تعجبكم المواضيع التي سيتم طرحها هنا والمواضيع قابله للنقاش بامكانكم التعليق وكتابه المداخلات وفي حال اردتم اعزائي نشر اي مقالات او مواضيع المفيدة والتي تساعدنا في اثراء وزيادة النقاش بتمني ما تبخلوا بها علينا.اعزائي اتمني ان تكون المدونه اداةللتواصل والاتصال بين الجميع من كل زمان ومكان لتكون مساحه حرة ومفتوحه لنشر كل ما هو مفيد وممتع .هذة كلمه ترحيبيه وافتتاحيه للمدونه لن اتطرق لشي اخر الا بالترحيب بكم وباقلامكم وكتباتكم .اتمني دعمكم بالضغط علي الاعلانات لاستمرار المدونه
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق