الجمعة، 14 ديسمبر 2012

صورة واحد إعلانجى

                                                                كلما ذهبت

كلما ذهبت إلى السينما شعرت أننى أسعد انسان فى الدنيا ..

\ففى كل مرة , أرى تأثير إعلاناتى العظيمة على المتفرجين .. كل المتفرجين يحفظون إعلاناتى صم , إذ ما كاد – مثلا – يظهر إعلانى عن حبر كومو على الشاشة , حتى راح الأولاد يرددون مع ممثلات الإعلان و مذيعيه :



- إيه ده اللى على فستانك .. ؟

- دى بقعة حبر كومو موش عايزة تطلع أبدا ..

- طبعا .. أصل كومو حبر هايل لا يمكن يطلع أبدا ..

- تحبى أحط لك بقعة على فستانك ؟

- ياريت .. ده حبر شكله لطيف خالص ..



هنا تحضر الممثلة زجاجة حبر كومو , و تظهر الزجاجة بين يديها فى لقطة مكبرة على الشاشة , ثم تقول :

- تعالى أما وريلك كومو بيعمل إيه ؟



تضع لها بقعة حبر على فستانها الأبيض فتقول :

- اللاه .. أنا ح بقع كل هدومى بحبر كومو ..



تخاطب المتفرجين و المتفرجات و هى ممسكة بزجاجة الحبر ..

- أظن انتى كمان لازم تبقعى كل هدومك بحبر كومو و تكتبى بيه كمان ..



و هنا ينطق صوت مذيع و مذيعة يتبادلان التعليق على الإعلان .

المذيع : بقعة حبر كومو لا يمكن تنظيفها أبدا ..

المذيعة : و الكلمة التى يكتبها كومو لا يمكن أن تزول من على الورق ..

المذيع : كومو ..

المذيعة : يكتب دون مجهود أو تعب ..

المذيع : املأ قلمك ثلاث مرات بحبر كومو ..

المذيعة : و فى الحال يجرى القلم من تلقاء نفسه على الورق .. حتى و لو كنت لا تعرف القراءة و الكتابة .

المذيع : فإن كومو وحده يقوم بكل العمل ..

المذيعة : كومو ..

المذيع : .. حبر متعلم ..

المذيعة : كومو ..

المذيع : حبر مثقف ..

المذيعة : كومو ..

المذيع : حبر مثلج صيفا .. ساخن شتاء ..

المذيعة : كومو ..

المذيع : يكتب أكثر سوادا ..



***



شعرت - كما أشعر كل مرة – بالسعادة الممتعة و أنا أسمع الأولاد يرددون كلام الإعلان أثناء عرض الإعلان . شعرت بسعادة أكبر و أنا أسمع أحد المتفرجين يصرخ بشدة ثم يصاب بالانهيار العصبى بسبب مطاردة هذا الإعلان له سنين طويلة بنفس الصور و نفس الكلمات . شعرت بمتعة عظيمة و أنا أرى متفرجا آخر يصاب بحالة جنون هياجى و يستل سكينا و يعدو نحو الشاشة لتمزيقها أثناء عرض الإعلان . سعدت بمنظر الرجل الذى أخذ زوجته و أولاده السينما و هو يحلف بالطلاق ما هو داخل سينما طول ما هذه الإعلانات تجرى وراه . فرحت و أنا أسمع تعليقات كثيرة حولى كلها قرف و زهق و شكوى لطوب الأرض من هذا الإعلان ..



فإن معنى هذا كله أن إعلانى قد حقق نجاحا جبارا , و أن فلسفتى الإعلانية هى أعظم فلسفة إعلانية فى العالم . فالإعلان لا يمكن أن يحقق نجاحا عظيما إلا إذا حطم أعصاب الناس و أورثهم الجنون بسخافته و تلامته و الحاحه و تكرار صوره و كلماته سنة و أربع سنين و عشر سنين , فى السينما التليفزيون و الشارع و كل مكان , و صبحا و ظهرا و عصرا و ليلا و فى كل زمان , حتى يستسلم له الناس اتقاء لشره , و دفعا لاضطهاده المستمر الذى يسبب الجنون الهياجى و الجنون الذهولى , و النورستانيا , و البارانويا و الملانخوليا و الصرع , و الهلاوس .



الثلاثاء :



زارنى اليوم مدير دعاية شركة صابون المكوك الأصلى للحلاقة , و طلب منى أن أتولى القيام بحملة إعلانية شاملة فى السينما و التليفزيون لصابون (المكوك الأصلى) . قال لى أنه درس الفن الإعلانى فى الخارج ثم راح يحدثنى عن التطور الهائل الذى وصل إليه هذا الفن , و كيف أن الإعلان قد أصبح متعة حقيقية للناس بعد أن تحول إلى عمل فنى متكامل , ثم قال حضرته – بكل جهل – أنه يريد أن تكون الإعلانات سريعة و مشوقة و جذابة , و لا تخلو من الابتسامة , و متجددة باستمرار لتغرى الناس بالمتابعة دون أن تدفعهم إلى القرف .



أفهمت هذا الولد الساذج الحمار – أن ما يقوله و ما يطلبه هو ضد مبادئى الإعلانية التى تستهدف تعذيب الناس , و رفضت التعامل معه .



الأربعاء :



عكفت اليوم على وضع فكرة إعلانى لصابون (منقرع) المخصص لغسيل الصحون .



الخميس :



فى منتهى السعادة , إذ حضرت اليوم العرض الأول للإعلان الذى وضعته عن أحمر شفاه (شفاشيفو) .

كنت فى منتهى المتعة و أنا أتابع أفكارى الإعلانية العظيمة مجسمة على الشاشة و كنت أكثر متعة و أنا ألاحظ تأثيرها القوى الفعال فى المتفرجين .



إن الفيلم يبدأ بداية رائعة حقا و ينتهى نهاية أكثر روعة :



المشهد الأول : الزوج يدخل من باب الشقة كالثور الهائج و هو يصرخ :

- فين الأكل ؟



الزوجة ترتعد و هى تشير إلى المائدة التى أعدتها تماما , يجلس الزوج إلى المائدة صارخا :

- فين الملوخية ؟



بيد مرتعشة , تكشف الزوجة طبق الملوخية .. يصب الزوج الملوخية فى طبقه و هو يشتمها بلا سبب :

- جتك النكد .. جتك خابط .. حمارة .. حيوانة .. طورة .. سفوخس ..

يرتشف الزوج أول ملعقة من الملوخية فيصرخ :

- دى ناقصة ملح الله لا يكسبك .



تمتد يد الزوجة إلى الملاحة لتناولها له . قبل أن تتمكن من ذلك , يدلق الزوج طبق الملوخية الساخنة على رأس الزوجة , ثم يعقب طبق الملوخية بطبق الرز يلقيه فى قفاها .



يمسك بها بعد ذلك و يضربها ضربا شديدا , لكمات , و شلاليت , يجرها من شعرها مغمى عليها حتى الحمام , يضعها تحت الدش , تفيق , يصرخ فيها :

- قومى كلمى أمك الغنية تبعت خمسين جنيه ..



تحاول الزوجة النهوض فلا تستطيع . يتعجلها و هو يجذبها من شعرها الملئ بالملوخية و الرز :

- باقولك قومى أنا عندى برتيتة قمار الليلة و عاوز الفلوس .



المشهد الثانى : الزوج يخسر الخمسين جنيها على مائدة القمار .



المشهد الثالث : الزوج يدخل البيت سكران طينة . يصرخ من الباب :

- إنتى يا زفتة ..



تتقدم نحوه الزوجة . يضربها شلوتين . ثم يحملها بين ذراعيه , و يلقى بها من نافذة الدور الأول إلى الشارع .. تأتى الإسعاف لتحملها إلى المستشفى بين الموت و الحياة .



المشهد الرابع : فى غرفة الزوجة بالمستشفى .. الزوجة ملفوفة بالشاش من أولها لآخرها . المأذون يحضر لإتمام الطلاق .. الزوج يخرج قلمه لتوقيع وثيقة الطلاق .. يخرج من جيبه قلم أحمر شفاه شفاشيفو يقدمه إلى الزوجة , يتهلل وجه الزوجة و تبدو عليها سعادة جنونية و هى تمسك بقلم أحمر شفاه شفاشيفو :



- ياى .. ياى ..

ترتمى على زوجها فى حضن غرامى :

- يا حبيبى يا روحى يا قلبى .. سامحنى .. اهئ .. اهئ .. اهئ .. أنا بابكى من فرحتى بشفاشيفو



بينما المأذون يجمع أوراقه و ينصرف تقول الزوجة :

- اضربنى .. احرقنى .. ارمينى من فوق البرج . بس كل مرة صالحنى بشفاشيفو ..



المذيعة : أحمر شفاه شفاشيفو ..

المذيع : هو سر السعادة الزوجية .

المذيعة : شفاشيفو ..

المذيع : يجعل شفتيك أكثر احمرارا .



إننى أتوقع لهذا الإعلان مستقبلا عظيما بعد تكراره على الناس ليلا و نهارا . لقد استقبله المتفرجون بمنتهى الضيق و القرف .



السبت :

طلب منى مدير دعاية شركة صابون (منقرع) لغسل الصحون أن أبتكر عبارة فى الإعلان تجرى على كل لسان للإجهاز على أعصاب الناس بتكرارها .


الأحد :


توصلت اليوم إلى العبارة الخالدة التى سيحفظها الناس صم بعد أن يعرض إعلان صابون منقرع فى دور السينما و التليفزيون , إذ كتبت فى هذا الإعلان هذا المشهد العظيم :


"قطعة صابون منقرع تقف بباب المطبخ بينما ست البيت أمام الحوض , تحاول عبثا تنظيف الأطباق القذرة ..

تدق قطعة صابون منقرع باب المطبخ فتقول ست البيت :

- من قرع ؟

- أنا منقرع .

و الله عبارة تساوى مليون جنيه .


الاثنين :


ذهبت اليوم مع الأستاذ الكبير المخرج خميس فجلة لنشاهد عرض إشارة فيلمه الجديد (فاجعة فى البلكونة) , و هى الإشارة التى توليت أنا القيام بعملها و كتابة التعليق عليها . كانت تعليقاتى – مع المشاهد – فى منتهى الروعة . إذ بدأت الإشارة بمشهد البطلة و هى تضحك فى بيت أسرتها , بينما انطبق صوت المذيع :

فاجعة فى البلكونة – قصة فتاة بريئة كانت تعيش بين أسرتها آمنة مطمئنة ..

مشهد آخر : .. و فجأة سقطت بها البلكونة ..

مشاهد متعاقبة : دراما مؤثرة – فاجعة تهز المشاعر – دموع – حزن – غم ..

مشاهد متعاقبة : لقد فقدت عمودها الفقرى و أصيبت بالخرس و الطرش و العمى و السل و الشلل ..

مشاهد متعاقبة : و لم يكتف القدر بذلك .. بل طعنها طعنة نجلاء فأصاب حبيبها بحادث قطار فصل رأسه عن جسمه .

مشاهد متعاقبة : مأساة ستبكيكم , ساعتان متواصلتان من الدموع و النكد .

مشاهد متعاقبة : إن هذه العذراء البريئة تعيش على الأمل فبعد أن شفيت من كل أمراضها انتظرت الشاب الذى ضحى من أجلها و لكن القطار طوح برأسه فى مكان مجهول .

مشاهد متعاقبة : وفاء - إخلاص – إنسانية ..

مشاهد متعاقبة : .. فقد انطلق أهل القرية يبحثون عن رأس حبيبها الذى طيرته عجلات القطار حتى يعيدوا الرأس إلى جسمه .


مشهد للبطل و هو يضع يده فى يد البطلة – و عثروا على الرأس و وضعوها على جسمه فردت إليه الحياة بمعجزة .. فيلم المعجزات !!

فاجعة فى البلكونة ..


مشهد للبطل و هو يقبل البطلة – فيلم الحب و الغرام : فاجعة فى البلكونة ..

مشهد للبطل و هو يجلس فى الكوشة مع عروسه - فيلم السعادة و الهناء : فاجعة فى البلكونة .

مشهد للبطل و هو يمشى فى الزفة فيقع رأسه على الأرض : و لكن القدر بالمرصاد .. فقد وقع رأس البطل من فوق جسمه مرة أخرى ..

مشهد للبطلة و هى تبكى : ماذا تفعل نفوسة (اسم البطلة) ؟!!


هذا ما سيجيب عليه الفيلم العالمى الكبير فاجعة فى البلكونة الذى سيعرض يوم الاثنين القادم بسينما بوبى .

هنأنى الأستاذ خميس فجلة بحرارة على إشارة الفيلم . اعترض أحد الموجودين على أن الإشارة تحكى كل قصة الفيلم , فقال الأستاذ خميس فجلة أن الإشارة عال قوى كده لأن الجمهور عاوز كده


السبت :

 

قرأت اليوم أسعد خبر فى الدنيا .

الخبر منشور بالصحف , و كل صحيفة أفردت له مساحة ضخمة .



يقول الخبر أن الأستاذ أحمد بطيخة اصطحب زوجته و أولاده إلى السينما و ترك السيدة حماته – و هى عجوز قعيدة – أمام التليفزيون فى البيت ..


و فجأة خرج عليها من الشاشة الصغيرة إعلان حبر كومو , فاستغاثت السيدة العجوز بالجيران و لكن أحدا لم يسمع استغاثتها , فلم تجد بدا من مخاطبة الإعلان و هى تتوسل إليه ..

و الله عندى حبر كومو .. ابعد بقى ربنا يهديك ..


و لكن إعلان كومو ظل على الشاشة دون أن ينصرف و هى تقسم له فى خوف و فزع :

و الله باشترى حبر كومو .. كفاية ..

و يبدو أن الإعلان شعر بأن السيدة وحيدة فى البيت , فتقدم منها قائلا :

- طب ورينى هو فين حبر كومو ؟

و لما كانت السيدة عاجزة عن الحركة , فلقد راحت تطلق صرخات رعب متواصلة دون أن يسمعها أحد حتى فاضت روحها متأثرة بالإعلان .


أسعد خبر يؤكد نجاحى المهول فى الفن الإعلامى ..

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق