الثلاثاء، 15 يناير 2013

قصة الأخوين وخيانه المراة

                                                                قصة فرعونية قديمة

يحكى أن أخوين كانا يسكنان في بيت واحد واسم أكبرهما أنوبيس والأصغر باتا وقد تزوج أنوبيس وأسكن معه أخاه

وكان باتا يصنع ملابس أخيه ويرعى ماشيته في الحقل ويحرث له الأرض ويحصد الزرع ويقوم بكل أعمال الحقل

وفي الحق كان باتا الصغير فلاحا ماهرا لا مثيل له في كل الأرض بقوته وكان يروح ويغدو إلى بيت أخيه محملا باللبن والعشب والكلأ والحطب ويقدمه راضيا إليه وهو جالس إلى زوجته

فإذا ما انتهى من ذلك تناول طعامه وشرابه وأخذ سبيله إلى مرقده في الحظيرة ليحرس أبقاره.

فإذا خلع الليل سواده وانبثق فجر يوم جديد كان يهيئ لأخيه طعاما ثم يأخذ طريقه إلى الحقل ويحمل معه طعامه ويسوق أبقاره ليرعاها فيمشي معها يحاورها ويتحدث إليها فتخبره عن مواضع الكلأ

ولما جاء فصل الحرث خرج مع أخيه أنوبيس وجهز الثيران لتهيئة الأرض للبذر وهما يقومان بذلك نفدت البذور فأرسله أخوه على البيت ليحضر بذرا

فلما دخل البيت وجد زوجة أخيه جالسة تمشط شعرها فلم يلتفت إليها وخرج مخزن الغلال محملا بالبذور فاستوقفته زوجة أنوبيس وابتدرته قائلة : ما مقدار ماتحمله على كتفيك؟ فأجابها : أحمل ثلاث حقائب قمحا واثنتين من الشعير تلك عشرة كاملة.

فقالت : إنك لذو بأس عظيم وهمت به وقالت: تعال سنتمع سويا وسيكون ذلك من حظك .. فثار باتا في وجهها قائلا : إنك بمثابة أم لي وزوجك بمثابة والدي وقد رباني صغيرا فما هذا الإثم العظيم الذي تتحدثين به إليّ وحمل البذر ومضى في سبيله على الحقل.

ولما عاد أنوبيس في المساء وجد زوجته جالسة تبكي راقدة في سريرها والبيت مظلم وسمع صوتها تقيئ فلما اقترب فزعا قالت : باتا راودني عن نفسي ولكنني عصيته فمشى الخوف في نفسه فضربني حتى لا أخبرك فإذا كنت تتركه حيا فإنني سأقتل نفسي.

فثار أنوبيس وحدّ نصل حربته وأمسكها في يده وتوارى خلف باب الحظيرة ليقتل باتا .

ولما اقتربت الأبقار حدثته بأن أنوبيس خلف الباب يريد قتلك فخذ حذرك حتى لا يذبحك!!

فنظر فرأى قدمي أنوبيس فألقى حمله إلى الأرض ولاذ بالفرار ففطن أنوبيس له فظل يعدو وراءه فنادى باتا : يا إلهي الطيب إنك أنت الذي تفصل بين المبطل والمحق .. فسمع (رع) ظلامته فجعل بينه وبين أخيه بحيرة مملوءة بالتماسيح

فقال باتا مناديا أنوبيس : يا أخي امكث هنا حتى ينبلج الصبح وسنحتكم إلى الشمس عند شروقها وسينتصر الحق ولن أعيش بعدها معك وسأتخذ وادي الأرز مثوى لي.

ولما أشرقت الشمس .. أعلم أنوبيس الحقيقة وأقسم له بـ(رع) وقال : يا أخي أردت أن تغتالني لوقيعة دستها عليّ امرأة بغي قذرة وهذه براءتي وأخذ غابا وقطع بها ذكره وألقى به في الماء فابتلعته سمكة كبيرة وأغمى عليه وأصبح تعسا.

ولما أفاق رأى أنوبيس يبكي حزنا عليه فقال له يا أخي اسمع مني .. سأخلع فلبي وأضعه فوق زهرة في شجرة أرز.. بعدها أموت وستبحث عني سبع سنين لكنك إذا ما وجدت قلبي فضعه في إناء به ماء بارد فإني حينئذ سأحيا ثانية وسأجيب عن التهمة التي أسندت إليّ .. وإذا أعطاك إنسان قدحا من الجعة فاختمر أدركت حينئذ ما حاق بي من الأذى ولا تتوان فإن ذلك في مصلحتك، فعاد أنوبيس بعدها إلى بيته وذبح زوجته ورمى بها إلى الكلاب وقعد حزينا على أخيه باتا.

وذهب باتا إلى وادي الأرز وبنى لنفسه قصرا وخلع قلبه ووضعه فوق أعلى زهرة في شجرة أرز يستمد منها الحياة لجسده وكان يجلس تحتها كل يوم وفكر أن يتزوج.

فخرج ذات يوم فقابل (تاسوع الآلهة) فقالوا له : أنت يا ثور التاسوع .. أتركت قريتك أمام زوجة أنوبيس ..إنه قد ذبحها لأنك كشفت له عن الجناية التي ارتكبت ضدك

وأظهر التاسوع له العطف فدعو له رع أن يرزقه بزوجة جميلةفقال رع لـ خنوم إله الخلق : سو ّ زوجة لـ باتا حتى لا يكون وحيدا في بيته فوهبه خنوم رفيقة تبز كل امرأة في الأرض جمالا فشغف بها باتا حبا، وفي الطريق استوقفته (حاتور) إلهة الحب فقالت : باتا رفيقتك ستموت ميتة شنعاء فلا تخرجها من بيتك. ولا تفش لها سرك

فقال باتا يا رفيقتي إنني أحبك ولقد سواك الإله خنوم هدية لي ولا حيلة لك فابقي معي رغم أنني أنثى مثلك ولا تخرجي كي لا يحملك البحر بعيدا ولا أستطيع إلى خلاصك سبيلا .. فقد أنبأتني حاتور بهذا وتصديقا ووفاء لك سأخبرك بسر وجودي وقد حذرتني حاتور ألا أخبرك ولكن شغفي بك أشد من أن أكتم سرا .. اسمعي إن سر حياتي وقوتي في قلبي وهو فوق أعلى زهرة في شجر الأرز … فإذا عثر عليه أي إنسان آخر كنت تحت سلطانه.

وبعد أيام خرج باتا ليصطاد كعادته اليومية … فخرجت زوجته لتتنزه تحت شجر الأرز- ولم تسمع لنصحه- فنظر البحر إليها وامتد خلفها فأخذت الزوجة العذراء تجري إلى بيتها حتى دخلت .. ولكن البحر وقف ينادي شجرة الأرز قائلا: اقبضي لي عليها ..فأخذت شجرة الأرز خصلة من شعرها وقدمتها إليه فحمل الموج الخصلة إلى مصر ورست في مسبح الفرعون فلما نزل ليستحم تعطرت ملابسه بأريج هذه الخصلة .

وجمع الفرعون رجاله ليسألهم عن سر هذا العطر الخفي وما مصدره.. فلما ذهب كبير السقاة ذات يوم إلى مسبح الملك ليبحث عن السر فرأى الخصلة فأخذها واشتم عطرها فإذا هو عطر ملابس الملك الذي يسأل عنه .

وجمع فرعون رجاله وحكماءه ليسألهم عن سر هذه الخصلة .. فأجمعوا أمرهم على أن هذه الخصلة لبنت (رع حوراختي) قد سواها خنوم وفيها من كل إله نفحة ..وإنها هدية سيقت إليك ..فابعث في كل أرض رسولا ليحضروها إليك .

فلما وصل رسل فرعون وجنوده إلى وادي الأرز وعثروا على الزوجة العذراء عند باتا وأرادوا إن يأخذوها ذبح منهم ثمانين ألفا في جولتين متتابعتين 00فأرسل جنودا آخرين ومعهم امرأة أغوت الزوجة العذراء بالملك والسلطان والحلي فخرجت مع رجال الفرعون وتركت باتا حزينا .

وصارت العذراء زوجة باتا عند فرعون أميرة وباحت له بسر باتا وقالت له : إن باتا يملك سيف الحق الذي قتل به جنودك وإذا أردت الخلاص منه (مر بقطع شجرة الأرز وإبادتها فسر حياته في قلبه المعلق فوق زهرة شجرة الأرز)

فأرسل فرعون جنوده فاجتثوها وقطعوا الزهرة التي كان عليها قلب باتا فخر صريعا فلما انبثق فجر يوم جديد كان أنوبيس الأخ الأكبر لباتا في بيته وقدم إليه الخادم قدحا من الجعة فاختمرت .. ـ كانت تلك العلامة التي حددها لباتا ليعلم بموته-عندئذ أخذ عصاه وحمل سلاحه وسار حثيثا إلى وادي الأرز فلما دخل قصر أخيه وجده مسجى على سريره فبكى .. ولكنه أخذ يبحث عن قلبه في غابة الأرز ليل نهار ومكث ثلاثة أعوام يبحث عنه وفي العام الرابع كان يسير مكان الشجرة التي اجتثها الفرعون وكان يجلس تحتها أخوه .. وجد فاكهة فعاد بها إلى البيت فلما هم أن بقضمها بأسنانه فإذا هي قلب أخيه باتا .. فصنع بوصية باتا وأعد قدحا من الماء البارد وألقى فيه بقلب باتا فلما جن الليل وامتص القلب الماء ارتعد جسد باتا على سريره وصار حيا .. وسقاه أنوبيس ما بقي من ماء في القدح وأسكن قلبه في صدره .. وتعانقا

فلما اصبح فجر يوم جديد قال باتا لأنوبيس : اسمع لقد وعدني التاسوع أن أصير ثورا عجيبا وستركب على ظهري ونذهب سويا إلى مصر وتمنحني هدية إلى الفرعون وسيكافئك بالفضة والذهب .

فقال أنوبيس : وماذا ستفعل عند الفرعون قال باتا أقتص من زوجتي كما أخذت حقك من زوجتك

وبعد ايام دخل الثور مطبخ الفرعون ووقف خلف الأميرة وقال لها ( إني ى أزال حيا ) وأنا باتا .. أتذكرين حينما أوعزت إلى فرعون أن يبيد شجرة الأرز فلا أعيش بعدها .. فوجلت الأميرة وجرت .. وفي المقصورة الفرعونية قالت للفرعون : أقسم أنك ستسمع ما أقول .. قال أقسمت قالت : إن هذا الثور لن يفيد شيئا فدعني آكل كبده .. فحزن الفرعون على الثور ولكنه رضخ لمطلبها وأعلن إقامة عيد عظيم ليأكل فيه الناس لحم هذا الثور .. ولما ذبح القصاب الثور وحمل على الأكتاف فهز الثور رأسه وسالت منه قطرتان من دم على يسار ويمين باب القصر الفرعوني فنبتت شجرتين عظيمتين من السنط

ولما خرجت الأميرة وجلست تحت إحدى الشجرتين تكلمت الشجرة قائلة : يا خائنة أنا باتا .. وسأعيش رغما عنك .

وفي سرير الفرعون قالت الأميرة له ( مر بقطع الشجرتين واصنع لي منهما أثاثا جميلا .. ففعل الملك وجاء الحطابون ووقف الفرعون والأميرة يشاهدون قطع الشجرتين فطارت شظية من خشب ودخلت فم الأميرة فابتلعتها وفي اللحظة صارت حبلى .. وبعد شهور وضعت ولدا صار شابا وجعله الفرعون حاكما لأثيوبيا ووليا لعهده.

وبعد سنين قضى الفرعون نحبه وتولى ولي العهد الحكم في المملكة وأحضر المستشارين وحاكم الأميرة / أمه فانتصفوا له منها فقتلها .. وبعث في طلب أخيه أنوبيس وجعله وليا لعهده وتوفي باتا بعد ثلاثين عاما وتسلم أنوبيس الملك من بعده .
أضواء على القصة:

القصة قطعة من الشعر القصصي العام ترجع إلى عهد الأسرة التاسعة عشرة.. وقد نقلها الكاتب ( أنانا ) تلميذ الخزانة الملكية كاجيو وأسلوبها ركيك وأقحم الكاتب فيها بعض العبارات التي لا حاجة إليها حيث استخدم طريقة الحكي عند المصريين الخالية من طلاوة العبارة ورشاقة الأسلوب والقصة تقوم على مرحلتين :

الأولى :

قصة الأخوين وإغراء زوجة الكبير أخاه الأصغر باتا بارتكاب الفاحشة وتعففه فقلبت الحقائق تنكيلا وكيدا به .. وفي القصة تشابه يتماس مع قصة قمر الزمان في (ألف ليلة وليلة)

الثانية كلها من خوارق العادات والمعجزات إثبات خيانة الزوجة زوجها ـ وإن كانت الآلهة قد سوتها وصنعتها – بعدما عرفت أن عضو الذكورة مبتور في زوجها باتا وقد ربط الكاتب بين المرحلتين بوصية باتا لأخيه أنوبيس بأن يعيد إليه قلبه عندما علم أنه قد مات تكفيرا لأنوبيس على اتهامه أخاه زورا وبهتانا.

ترسم هذه القصة صورة صادقة عن حياة الفلاح في عصر الدولة الفرعونية الحديثة ولا شك أن ضعف الأسلوب راجع بالضرورة لسببين : الأول أنها كتبت بلغة العامة .. والثاني أنها كتبت للعمة.

هذه القصة نالت شهرة عالمية لغرابة وقائعها وتحليقها بوقائع خيالية في عالم الخرافات والأساطير..فانتقلت بصور مختلفة إلى العصر الحديث وإلى اللغات العالمية فنجد صدى لها في الأدب الفرنسي والإيطالي والنمساوي والمجري والهندي والحبشي ورومانيا والتشيك.

**القصة في الأدب المسيحي الأوروبي:

لقد ظلت هذه القصة تنتقل عبر الآداب القديمة وتسربت إلى الأدب الروماني والقبطي المصري ومنه إلى الآداب العالمية ثم تسربت إلى الأدب الروسي المسيحي Rambaud, La RUSSIE EPIqueفهذه القصة نرى من روحها أنها مأخوذة من الأصل المصري القديم بعد انقضاء 3000سنة

نجد في القصة الروسية أن (باتا) اسمه (إيفان) خادم الكنيسة وقد عثر على سيف سحري في الغابة وذهب ليحارب به الأتراك في أرنيار وذبح منهم ثمانين ألفا وكافأه على شجاعته فزوجه ابنته (كليوباترا) فلما مات الملك وتولى (إيفان) الحكم من بعده خانته زوجته (كليوباترا) وأعطت الأتراك السيف فمات إيفان في ساحة المعركة وسلمت زوجته نفسها لسلطان الترك (كما فعلت زوجة باتا عندما سلمت نفسها لفرعون وأعزت له أن يقطع شجرة الأرز التي عليها قلب باتا).

ولقد استطاع جرمان والد إيفان أن يخلص جسم ابنه عن طريق مجرى من الدم كان يتدفق من وسط الإصطبل وعندئذ قال له الحصان : ( إذا كنت تريد إعادة الحياة إلى إيفان فافتح بطني وخذ أحشائي وتدلك الميت بدمي ،وعندما تأتي الغربان لتلتهم جسمي خذ واحدا منها وكلفه أن يحضر لك إكسير الحياة ففعل وعاد إيفان إلى الحياة .. وقام وعنق والده قائلا له : ( ارجع إلى حصانك وسآخذ على عاتقي الانتقام من عدوي) وفي طريقه رأى فلاحا فقال له : (سأصير نفسي حصانا جميلا ذا معرفة من الذهب وعليك أن تقوده وتوقفه أما قصر السلطان) فلما رآه السلطان أعجب به ووضعه في الأصطبل ولزم مصاحبته ..ولما أدركت كليوباترا حقيقته أوعزت إلى السلطان بذبحه وأخبرته بأنه إيفان ابن خادم الكنيسة فلما ذبحه نبت من دمه ثور مكسو بالذهب فأمرت كليوباترا بذبحه أيضا فنبتت من رأسه شجرة تفاح ثمرها من الذهب فأمرت كليوباترا بقطعها فطارت شظية من الجذع أثناء القطع وتحولت ذكرا عظيما من البط فأمر السلطان بصيده بل قفز بنفسه في الماء ليمسكه فأفلت منه ثم ظهر إيفان مرة في زي السلطان وألقى بكليوباترا و عشيقها في أتون النار واستولى على العرش

المصادر :
· الأدب المصري القديم – سليم حسن – الجزء الأول

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق