السبت، 15 يونيو 2013

تحدّى ظروفك الصعبة




-->


اعتدنا على تشجيع الآخرين بهذه الجملة: "تحدّى ظروفك". فقد نشجّع أُناساً لديهم مشاكل كبيرة كالأمراض المستعصية على سبيل المثال، أو مرّوا بمصائب صعبة
التّحمُّل سبّبت لهم إعاقات أو شلل أو وضعتهم في ظروف قاهرة، لكن هل الجميع قادر على تحدّي ظروفه؟ نعم، يوجد البعض ممّن لديه القدرة على تحمّل الظّروف والضّغوط، كما يوجد البعض الآخَر الذي ينهار مع أقلّ فاجعة أو مصيبة غير متوقَّعة. في معظم الأحيان نفتح قلوبنا ونُدلي بدَلوِنا كأبطال خرجوا من قصص خياليّة، نتحدّث عن ظروفنا الصّعبة وكأنَّها أمر سهل ومتوقَّع وعلى الجميع أن يتخطّاه، ننطق ببعض الجُمَل التي نظنّ بأنها تشجيعيّة، مع أنّها في واقعها صعبة وقاسية تكسر القلب بدلاً من أن تدعمه. جمل كهذه على سبيل المثال، والتي ربّما سمعتها كثيراً عبر سِنّي حياتك تقول:

- تحدّى المرض وقاوم.

- تحدّى آلامك النّفسيّة وحاول.

- تحدّى إعاقتك.

- تحدّى نقص إمكانيّاتك الماديّة ولا يهمّك شيء.

- تحدّى ظروفك القاسية وأَكمل.

- تحدّى فشلك في الزّواج واستمرّ.

- تحدّى ضعفك الجسدي وقُمْ.

- تحدّى حزنك واضحك.

لكن كيف لي أن أتحدّى ظروفي وأنا ضعيف مغلوب على أمري، غير متماسك في داخلي، أعاني بقسوة؟ كيف يمكنني تقبُّل مرارة حياتي التي لا تخلو من الآلام والصِّعاب، وأنا أجد صعوبة في قبول ذاتي وماضيَّ وحاضري؟ كيف؟

معك حق صديقي في أن تتساءل، فنحن للأسف الشّديد تعَلّمنا في أُسَرنا التي ولدنا ونشأنا فيها منذ كنّا صغاراً، إنكار المشاكل التي تقضّ مضجعنا وتعوّدنا ألاّ نتكلّم عنها، مستسلمين للمثل الشّعبي القائل "بألاّ ننشر غسيلنا القذر أمام الآخرين"، وعلى هذا تركنا لمشكلاتنا الحقّ في أن تتحوّل إلى نِير يضغطنا وعار يُرهق أنفسنا، متمسّكين بشدّة بعدم الاعتراف بها. وهذا حال جميع البشر، ضعفاء في داخلنا لكنَّنا نلجأ دائماً إلى التّظاهر بعدم وجود مشاكل، نسعى لإنكارها وبالتّالي للتّغاضي عن أحاسيسنا ومشاعرنا المتألمِّة، لا بل ونقوم ببناء جدارٍ سميك فاصل بين واقعنا الحقيقي ومشاعرنا الدّاخليّة. الأُسُس التي نتّبعها لحلّ المشكلات التي تواجهنا: يقول الدكتور "ديل رايان" في إحدى كتاباته: "الاعتراف والقبول بوجود مشكلة لدينا هو أول أساس في حلّ هذه المشكلة".

إذاً أول أساس هو الاعتراف بوجود المشكلة: لكن ما نفعله هو العكس، إذ نعيش وهماً يقول: "إنَّ الإنكار يحمينا من الألم". مع أنَّه في واقع الأمر يرتِّب لألمَِنا المناخ اللازم ليترعرع وينمو فيه. ويُهيّء مكاناً مظلماً معتماً بارداً موحشاً يكبر فيه هذا الألم ويتحوّل ليصير إحساساً بالذَّنْب والعار. الإنكار يطيل ألمنا وينشره في كلّ بُعد من أبعاد حياتنا، فيزيد مشاكلنا أضعافاً مضاعفة.
أمّا الأساس الثّاني لحلّ مشاكلنا فهو الاعتراف بأنَّ ما نعانيه هو أمر خاصّ بنا: أو بمعنى آخر، مشكلتنا نحن وليس الآخرين. مع العلم بأنّنا غير قادرين على حلِّها بمفردنا. فتفكيري وإدراكي بكَون هذه المشكلة مشكلتي وليست مشكلة غيري، لا العالم المحيط بي ولا عائلتي أو عملي، يَضعني أمام مسؤوليّة البحث والمحاولة لإيجاد حلّ لها. كما أنَّ معرفتي بأنّي لن أكون قادراً على حلِّها بمفردي، سيجعلني أبحث عن أشخاص لديهم القدرة والحكمة لمساعدتي في حلّ مشكلتي وظروفي التي أمرّ بها، وقد يأخذ حلِّي لمشكلتي وقتاً طويلاً، ربّما رحلة عمري كلَّها.

الأساس الثّالث هو العمل على تغيير الظّروف التي أُعاني بسببها: إنّ تحدّي هذه الظّروف يحتاج منّي إلى وعي كبير بالبُعد والعمق الرّوحي لعمل الله في حياتي، وعي لعمل الله يعطيني القدرة على قبول المشكلات والمثابرة لإيجاد طُرُق روحيّة عميقة لحلِّها. كما أنَّ قبولنا لمشاكلنا وضعفنا وعجزنا أمامها، يمدّنا بالشّجاعة للاعتراف بها أمام أنفسنا أولاً وأمام الله والآخرين ثانياً. فالاعتراف والشّجاعة أمران يساعداننا على النَّظر إلى مشكلاتنا بصورة واقعيّة وموضوعيّة، تمكّننا من البحث عن حلول لها وطُرُق لمعالجتها. فنحن المسؤولون عن بقاء هذه المشكلات في حياتنا وعن القرارات والاختيارات التي نأخذها لحلِّها، وهذه المسؤوليّة لن تكون عبئاً كبيراً علينا، إن أدركنا بأنَّ الله قادر على مدِّنا بالكثير من الأدوات التي ستساعدنا على حلّ مشاكلنا، مهما كانت صعبة وقاسية وقويّة، كالصّلاة والنّاس المحيطين بنا الذين نثق بهم، هذا يُريحنا كبشر ويُشعرنا بالأمان وبأنّنا لسنا وحيدين في هذا العالم الكبير. النّظرة البسيطة للأمور (ليس الاستخفاف بها) تقودنا للبحث عن حلول بسيطة غير معقّدة، وتجعلنا ننظر لأكبر الهموم والظّروف بأنَّها صغيرة، طالما أنَّ هناك من هو أعظم وأكبر منها، الله. هناك أدوات أُخرى: كالتّواصل مع مشاكل الآخرين - القراءة عمّا يحدث معنا - متابعة دروس تعليميّة معيّنة - الانضمام إلى مجموعات المساندة - ممارسة الرّياضة - الالتزام بالأدوية والمتابعة مع طبيبنا - أخذ المشورة من شخص عانى من ذات المشاكل التي نعاني منها. كلّ هذا يفيدنا في حلّ مشاكلنا ويساعدنا على أخذ قرارات صحيحة ويعطينا الشّجاعة لتخطّي الأزمات مهما كانت صعوبتها.
أنا وأنت لسنا الوحيدين المتألمّين في هذا العالم، لأنّنا ضمن منظومة فيها غيرنا من البشر. أُناس يختلفون عنّا في العِرق واللون والدِّين، لكن يشتركون معنا بما هو أهمّ، بالكينونة الإنسانيّة بذات الرّوح والنَّفس والجسد، بذات المشاعر والأحاسيس والأفكار. نحن بشر نمرّ بخبراتٍ وظروفٍ ترسم ملامح شخصيّاتنا وتوحِّدنا وتُقرِّبنا من بعضنا مهما كانت اختلافاتنا
.


-->

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق